46/04/02
بسم الله الرحمن الرحیم
فساد العمل المسبب من تعلق عدم الأمر/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / فساد العمل المسبب من تعلق عدم الأمر
بيّنّا في الجلسة السابقة دعوى المحقّق النائينيّ في الفرق بين إسناد فساد العمل العباديّ إلى تعلّق النهي به وبين أن يسند إلى عدم تعلّق الأمر به.
ولكنّ السيّد الروحاني أشكل على هذا البيان وقال: الغالب عندما يبحث عن اقتضاء النهي للفساد هو وجود عمومات وإطلاقات يمكن التمسّك بها لتصحيح عباديّة العمل في فرض عدم النهي، فإذن من غير الصحيح أن يدّعى استناد فساد العبادة إلى الأصل في صورة عدم النهي. على أنّ البحث فيما نحن فيه من الملازمات العقليّة بين النهي عن العبادة وفسادها، ولا يصحّ دعوى استناد فسادها إلى الدليل في صورة ورود النهي، لأنّ النهي عن العبادة لا يدلّ على فسادها.[1]
وهذه الإشكالات واردة على دعوى المحقّق النائيني. فدفع الإشكال المذكور هو أنّ الوجه الرئيسيّ في فساد العبادة عند تعلّق النهي بها هي حرمتها الذاتيّة لا حرمتها التشريعيّة.
فإن قلت: ليس جعل النهي للعبادة بسب مفسدتها الذاتيّة وإنّما لأن لا تشملها الإطلاقات والعمومات، إذ يكفي في عدم شمولها فقدان الملاك، ولا يلزم وجود مفسدة في الفعل.
قلت: إنّه ينبغي حمل النهي في هذه الصورة على الإرشاد ممّا يخالف ظاهر النهي، إذ كما تقدّم فإنّ النهي عن التشريع كان في دليل آخر، والنهي عن العبادة إذا لم يكن مسبّباً عن وجود مفسدة فيها فإنّ مفعوله الوحيد هو الإرشاد إلى مصداقيّة إتيان العمل بنحو عبادي للتشريع.
غير أنّ المحقّق الإصفهاني قال بجواز ارتكاب خلاف الظاهر في هذه الموارد، كما يمكن في الأمر بعد الحظر أن يُحمل على الجواز[2] ، وهذا ليس ببعيد، إذ كما يمكن في الأمر بعد توهّم الحظر أن يكون مجرّد توهّم الحظر قرينة على حمل الأمر بمجرّد نفي الحظر، فكذلك شمول إطلاقات العباديّة وعموماتها فيما نحن فيه للفعل المنهي عنه قد يكون قرينة على حمل النهي على عدم شمول الإطلاقات والعمومات المذكورة على الفرد المنهيّ عنه من حيث فقدان الملاك فيه، لا على وجود مفسدة ذاتيّة فيه.
واعم أنّ حمل النهي علی الإرشاد لا ينافي فساد العبادة المنهيّ عنها، إذ يمكن في صورة حمل النهي على الإرشاد إلى فقدان الملاك العباديّ في المنهيّ عنه أيضاً أن نقول بفساد ذلك العمل من حيث فقدان الملاك وإن لم تكن فيه مبغوضيّة ذاتيّة. وبعبارة أُخرى: فبما أنّ النهي الإرشادي يشير إلی أنّ العمل يفتقد الملاك الذي يصلح به التقرّب بالعمل إلى المولى، فلا يمكن التقّرب به ولو مع الجهل بكونه منهيّاً عنه أيضاً.
ثمّ إنّ السيّد الخوئي بعد إذعانه بأنّ النهي عن ذات العبادة يسبّب فسادها، قال: لا فرق في ذلك بين أن يدلّ النهي على حرمة العمل ذاتاً أو على حرمته التشريعيّة، وإن كان هناك فرق بين الحرمة الذاتيّة والتشريعيّة من جهة أُخرى، وهي أنّا إذا قلنا بحرمة العمل ذاتاً، ففي هذه الصورة يحرم إتيان الفعل ولو من دون قصد القربة، كإتيان الصلاة للحائض ولو بنحو تمرينيّ، ولكن إذا اعتبرنا الحرمة تشريعيّة فلا يحرم إلّا حصّة خاصّة من العمل المقرونة بقصد القربة.[3]
ولكن يجاب عن هذه الدعوى بأنّ النهي عندما يتعلّق بعبادة بما هي عبادة ـ وهو فرض المسألة ـ يلزم منه تعلّق النهي بالعمل بجميع القيود والشروط التي تسبّب عباديّته حتّى وإن قلنا بوضع الألفاظ للأعمّ من الصحيح والفاسد، أو لم نعتبر قصد القربة من أجزاء المأمور به واعتبرناه متعلّقاً لأمر تتميميّ. فإذن يکون النهي عن صلاة الحائض بمعنی النهي عن أدائها للعبادة التي يشترط فيها قصد القربة أيضاً، لا النهي عن إتيان صورة الصلاة فقط.
ثمّ إنّ السيّد الخميني ادّعى أنّ النهي يدلّ عرفاً على فساد العبادة، لأنّ غالب المكلّفين يؤدّون العبادة إسقاطاً للأمر وکذا الإعادة والقضاء، وعليه فإذا نهى الشارع عن كيفيّة معيّنة من العبادة، فالمتبادر منه إلى أذهانهم أنّ هذا النحو من إتيان العبادة لا يسبّب سقوط الأمر، فيحملون النهي على الإرشاد إلى فساد العمل. كما أنّ النهي إذا تعلّق بصنف خاصّ من العبادة ـ كصلاة الأعرابي أو الصلاة حين الحيض ـ فإن لم يكن دليل على حرمة العمل، فإنّه يحمل على الإرشاد إلى فساده.[4]
وسنطرح نقد كلماته في الجلسة القادمة إن شاء الله.