46/03/24
بسم الله الرحمن الرحیم
تعلّق النهي بالفعل العباديّ في ذاته/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / تعلّق النهي بالفعل العباديّ في ذاته
تقدّم في الجلسة السابقة في دعوى المحقّق الخراسانيّ في خصوص تعلّق النهي بالفعل العباديّ في ذاته أن قلنا بأنّ النهي في هذه الموارد يدلّ على عدم مصداقيّة متعلّق النهي لشيء كالخضوع للشارع الذي هو مطلوب في نفسه، كما أنّ تعلّق النهي في الآية الشريفة بالمكاء والتصدية حين الطواف يدلّ على أنّها ليست مصداقاً للعبادة.
لا يقال: ليس للمكاء والتصدية حسن ذاتي كالسجود.
لأنّ الجواب: أنّ حُسن السجود أيضاً إنّما هو بسبب صدق الخضوع للمولى عليه، وإلّا كان كغيره من الأعمال، ولا يمكن القول أنّ للسجود في حدّ ذاته حُسناً ذاتيّاً كالصدق، لأنّه يختلف عن الصدق في أنّ الصدق عنوان وقع موضوعاً للحُسن عقلاً ـ ولو بشرط أن لا ينطبق عليه عنوان آخر ذو مفسدة ـ بينما ليس السجود كذلك وحُسنه إنّما كان من باب مصداقيّته للخضوع للمولى الذي يأخذه العقل موضوعاً للحُسن مطلقاً.
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الخضوع من المفاهيم العرفيّة وليس له حقيقة شرعيّة، وعليه فإنّ تعيين مصاديقه بيد العرف لا الشارع، والعرف يرى الركوع والسجود من مصاديقه بل من أعلى مراتبه، فلا يمكن لنهي الشارع أن يمنع من احتسابهما في زمرة مصاديق الخضوع.
وعليه فينبغي أن يقال في وجه بيان فساد العبادات الحَسَنة ذاتاً: إنّ هذه الأعمال وإن كانت مطلوبة في نفسها من حيث كونها مصاديق للطبيعة الحسنة ذاتاً، غير أنّ نهي الشارع عنها يكشف عن اشتمالها على مفسدة من جهة أُخری غالبة علی مصلحتها الذاتيّة، وكما تقدّم في مبحث اجتماع الأمر والنهي فهو وإن لم يمتنع أن يكون للفعل الواحد مصلحة ومطلوبيّة من جهة ومفسدة ومبغوضيّة من جهة أُخری غير أنّه لامتناع قصد التقرّب إلى الشارع بما يُعلم مبغوضيّته له، فمن عَلِم بتعلّق النهي بذلك الفعل لم يمكنه التقرّب إلى الشارع به وإن لم يمتنع تحقّق قصد القربة في صورة الجهل بتعلّق النهي به.
وأمّا دعوى إمكان تحريم الفعل الواحد من حيث التشريع مع حرمته من جهة أُخری أيضاً فهو صحيح، لأنّ الذي يؤدّي إلى اجتماع المثلين أو الضدّين هو أن يكون للحكمين المماثلين أو المتضادّين متعلّق واحد، ولا يستلزمهما تعلّق الحكمين بمتعلّقين ذوي مصداق واحد، فيمكن الالتزام بأنّ ذلك المصداق وقع متعلّقاً لحكم من جهة ولآخر من جهة أخرى كما تقدّم في بحث اجتماع الأمر والنهي. فمثلاً إذا صلّى أحد صلاة واجبة قبل دخول وقتها عمداً في مكان يعلم بغصبيّته، فقد ارتكب محرّماً من كلا الجهتين، وهما التشريع والتصرّف في مال الغير بغير إذنه.
غير أنّه من غير الصحيح أن يدّعى تعلّق حرمة التشريع بفعل القلب، لأنّ متعلّق الحرمة في التشريع هو الفعل مقيّداً بإتيانه بقصد الورود بحيث يكون القيد خارجيّاً والتقيّد داخليّاً، وإذا اعتبرنا فعل القلب متعلّقاً للحرمة فينبغي القول بأنّ مجرّد الالتزام بعباديّة عمل ما حرام شرعاً ولو لم يؤت به، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.
هذا، ولكن ادّعى المحقّق الاصفهانيّ أنّ النهي إذا تعلّق بعبادة بما هي عبادة، فمن غير المعقول أن يتعلّق نهي ذاتي بها علاوة على الحرمة التشريعيّة ممّا نوكل بيانه إلى الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.