« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 فساد العبادة إذا كان النهي مولويّاً/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / فساد العبادة إذا كان النهي مولويّاً

 

يُعلم بالنظر إلى ما تقدّم أنّه لا يمكن الالتزام بدعوى المحقّق العراقي أيضاً من أنّه لا وجه لفساد العبادة المنهيّ عنها فيما إذا كان النهي مولويّاً محضاً إلّا عدم إمكان التقرّب بها للفاعل الملتفت وأنّه إذا لم يكن ملتفتاً أمكن الالتزام بصحّة العبادة المنهيّ عنها، والنهي لا يدلّ على فساد العمل العباديّ إلّا فيما إذا كان إرشاداً إلى خلل في عباديّة العمل من حيث فقدانه لملاك العبادة أو لوجود مانع من ملاكه[1] ، لعدم تماميّة ما استدلّ به في تعليل عدم فساد العمل العباديّ فيما إذا تعلّق به نهي مولوي من أنّ الشيء الواحد قد يكون ذا مفسدة من جهة وذا مصلحة من أُخرى، وما يبحث عنه في المقام هو تعلّق النهي بالعبادة من حيث عباديّتها لا من غير هذه الجهة.

كما يتّضح بالنظر إلى ما تقدّم إشكال دعوى المحقّق الخراساني من إمكان وجود المفسدة فيما إذا كانت عباديّة العمل ذاتيّة، لأنّ العمل إذا كان عباديّاً في حدّ ذاته، فهو بمعنى وجود مصلحة راجحة فيه، وهذا لا يتناسب مع غلبة المفسدة فيه التي سبّبت النهي عنه.

غير أنّ المحقّق الإصفهاني حاول دفع هذا الإشكال وقال: ليس المراد من الحُسن الذاتي للعمل أن يكون الفعل علّة تامّة للحُسن أو أن يكون عنوان الحُسن من ذاتيّاته ومقوّماته، وإنّما المراد من الذاتي هاهنا أنّ الفعل بذاته ـ لا من حيث إنطباق عنوان آخر عليه ـ حَسَن، وهو على قسمين، يكون الفعل في أحدهما علّة تامّة للحُسن، كالعدل والإحسان، وفي القسم الآخر مقتضياً للحُسن، كالصدق.

ثمّ قال: هذا الجواب مبنيّ على رأي المشهور في الحُسن والقبح. ولكنّ الجواب الأنسب أن يقال: الفعل إمّا حسن بعنوانه ـ بمعنى أنّ موضوع الحُسن بحكم العقل العملي هو الفعل، بغضّ النظر عن أيّ عنوان آخر ـ حيث يكون حسناً بالذات، وإمّا أن لا يكون حسناً بعنوانه، سواء كان بحيث يصدق عليه عنوان الحُسن لو خلّي وطبعه ـ مثل الصدق ـ أو لم يكن كذلك، بل إمّا أن يكون قبيحاً في نفسه ـ كالكذب ـ أو لا يكون قبيحاً ولا حسناً ـ كشرب الماء ـ والمراد بالعبادة الذاتيّة في المقام هو الذاتي بالمعنى الثاني، بمعنى أنّ الفعل حسن بنفسه ولكن قد يقبح عرضاً.[2]

غير أنّه يشكل هذه الدعوى بأنّ الخضوع والخشوع والسجود وأمثالها ليست عناوين تقتضي الحُسن كالصدق، أو کانت حسنة لو خُلّيت وطبعها كما عبّر عنه المحقّق الإصفهاني، بل من حيث إنّها منتزعةً من النسبة ـ مثل النسبة بين الخاضع والمخضوع له ـ فإنّ طرف النسبة دخيل في حُسنها. وعليه فإنّ الخضوع أمام المُنعم حسن والخضوع مقابل الظالم قبيح، وإذا لوحظ الخضوع بغضّ النظر عن طرف النسبة، كان كشرب الماء الذي ليس حسناً ولا قبيحاً في نفسه.

وعليه فإنّ المشتمل على حُسن ذاتي ـ بحسب تعبيره ـ هو الخضوع والخشوع للمولى، وفيما كان العمل مبغوضاً للمولى لجهة ما، فلا يمكن اعتباره مصداقاً للخضوع والخشوع له.

وبعبارة أُخرى: فالفعل المشتمل على الحسن الذاتي الذي يكون حُسنه من القسم الأوّل ـ أي من دون دخل انطباق أيّ عنوان آخر عليه في حسنه کالعدل ـ هو الخضوع والخشوع للمولى، فلا يجوز عقلاً أن يمنع المولى عن مطلق الخضوع أمامه وإنّما الذي يمكن منعه هي مصاديقه الخضوع، بمعنى أنّ الإنسان لجهله بحقائق الأُمور قد يعتبر فعلاً ما مصداقاً للخضوع للمولى والحال أنّه ليس مصداقاً له في الواقع بل ربّما كان مصداق العكس، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً[3] حيث إنّه تعالى صدّق أنّ مكاء المشركين وتصديتهم كان بنيّة العبادة، ولكن قبّح فعلهم من حيث إنّه ليس مصداقاً لها.

وسنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo