47/06/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الخادمة و المسکن للزوجة/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / الخادمة و المسکن للزوجة
قد طرح الشهيد الثاني في باب الخادمة جملة من الفروع حيث قال: «لو تنازعا في الخادمة التي يستأجرها الزوج لخدمتها أو الجارية التي تخدمها من جواريه، ففي تقديم مرادها أو مراده وجهان، من أنّ الخدمة لها وقد يكون الذي عيّنته أوفق لها وأسرع إلى الامتثال، ومن أنّ الواجب عليه أن يكفيها الخدمة دون أن يكتفي بتلك المعيّنة، كما لا يجوز تكليفه النفقة من طعام معيّن، ولأنّه قد يدخله ريبة وتهمة فيمن تختارها؛ وهذا أصحّ.
هذا في الابتداء. فأمّا إذا توافقا على خادمة وأُلفتها، أو كانت قد حملت خادمة مع نفسها فأراد إبدالها، ففي جوازه وجهان، من تخييره في الإخدام، وعسر قطع المألوف على النفس؛ والأوّل أقوى.
ولو أرادت استخدام ثانية وثالثة من مالها فللزوج أن لا يرضى بدخولهنّ داره. وكذا لو حملت معها أكثر من واحدة، فله أن يقتصر على واحدة ويخرج الباقيات من داره، كما له أن يكلّفها بإخراج مالها من داره، ومنع أبويها من الدخول عليها، وإخراج ولدها من غيره إذا استصحبته معها.»[1]
لكنّ الحقّ هو أنّه في مسألة تعيين الخادمة لابدّ من حصول التوافق بين الزوجين ولا يمكن الحكم بتقدّم حقّ أحدهما على الآخر؛ إذ كما أنّ للزوج حقّ منع شخص ما من الدخول إلى بيته، كذلك للزوجة أن تمتنع عن إسناد شؤونها إلى شخص معيّن، ولا يصحّ إلزام أيّ منهما بالتنازل عن حقّه.
وعليه فإنّ مقتضى مراعاة المعروف في المعاشرة مع الزوجة وكذلك لزوم مراعاة الزوجة لحقّ الزوج، هو أن يتمّ التوافق بين الزوجين في تعيين من تكون خادمة للزوجة، فإن لم يحصل التوافق أمكن لهما الرجوع إلى الحاكم لرفع الخصومة.
ولا فرق في هذه المسألة بين أن تكون الخادمة التي تعيّن للزوجة ـ من قبلها أو من قبل الزوج ـ ممّن كانت في خدمتها من قبل، أو شخصاً جديداً يعيّن لها بعد الزواج.
وأمّا إدخال الأشياء التي لا تعدّ من نفقة الزوجة في ملك الزوج، فهو بطبيعة الحال موقوف على إذن الزوج وإن كانت الزوجة قد أعدّتها من مالها الخاصّ.
نعم، إذا كان من شأن الزوجة عرفاً أن توفّر لها داخل منزل الزوج وسائل لحفظ أموالها، فإنّ ذلك يعدّ من نفقتها الواجبة، ولا يحقّ للزوج منعها من ذلك.
وكذلك الحال فيما لو اقتضى شأن المرأة عرفاً أن تدعو والديها أو أقاربها إلى منزل الزوج، فإنّه لا يحقّ للزوج منعها من ذلك؛ إذ لو لم نعدّ هذا الأمر من نفقتها، أمكن اعتباره شرطاً ارتكازيّاً ضمن العقد. وعليه فما لم يشترط الزوج في ضمن العقد خلاف ذلك فلا يكون له حقّ المن
وأمّا في خصوص السکنی فقال الشهيد الثاني: «لا يشترط في المسكن أن يكون ملكاً له، بل يجوز إسكانها في المستعار والمستأجر اتّفاقاً، لأنّه إمتاع لا تمليك.
ولا يخفى أنّ لها المطالبة بالتفرّد بالمسكن. والمراد به ما يليق بحالها من دار وحجرة وبيت فرد. فالتي يليق بها الدار والحجرة، لا يسكن معها غيرها في دار واحدة بدون رضاها. لكن لو كان في الدار حجرة مفردة المرافق فله أن يسكن فيها. وكذا لو أسكن واحدة في العلوّ وواحدة في السفل والمرافق متميّزة. والتي يليق بها البيوت المفردة، له أن يسكنها في بيت من دار واحدة.
ولا يجمع بين الضرّتين ولا بين المرأة وغيرها في بيت واحدة مطلقاً إلا بالرضا.»[2]
و قال کاشف اللثام ايضأ فی التعليل لوجوب توفير مسکن مستقّل للزوجة: «لأنّه من المعاشرة والإمساك بالمعروف، ولفهمه من قوله تعالى: ﴿وَلٰا تُضٰارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾[3] .»[4]
إلا أنّ صاحب الجواهر قال مستشکلاً على هذه الدعوی: «لا يخلو من نظر مع فرض عدم كون عادة أمثالها كذلك، وعدم تضرّر لها به، وإلا وجب من هذه الجهة، لا أنّ ذلك حقّ لها من حيث كونها زوجة، ولعلّ الرجوع فيه إلى الضابط الذي ذكرناه أولى.»[5]
أقول: إنّ ما يمكن الالتزام به في هذه المسألة أيضاً ـ كما أفاده صاحب الجواهر ـ هو الرجوع إلى الملاك العرفي؛ بمعنى أنّه لابدّ في تعيين كون المسكن ملكاً للزوج أو مستأجراً أو مستعاراً، وفي تحديد كيفيّته ومقداره، وكذلك في تعيين كون سكنى الزوجة في بيت مستقلّ أو غير مستقلّ، من مراعاة شؤون الزوجة العرفيّة؛ فلو رأى العرف أنّ مراعاة شأن المرأة تقتضي أن يوفّر لها مسكن كامل، عالي الكيفيّة، مستقلّ عن سائر الأشخاص، وعلى نحو يكون ملكاً للزوج، تعيّن العمل على هذا النحو، وإلا فيكتفى بما يراه العرف مناسباً في ذلك.
فلا وجه لاشتراط استقلال الزوجة على نحو مطلق في إسكانها، بل إنّ ذلك تابع للعرف والعادة وشؤون الزوجة. وكذلك فإنّ حدود استقلال الزوجة في الانتفاع بالمسكن يحدّدها العرف أيضاً؛ بمعنى أنّ العرف قد يرى لزوم استقلال الزوجة على نحو لا يسكن معها في المنزل شخص آخر ولو في غرف أُخرى أو في الطوابق العلويّة أو السفليّة، كما قد يرى كفاية وجود غرفة مستقلّة لها.
بل قد يرى العرف كفاية وجود غرفة للزوجة ولو على نحو الاشتراك بينها وبين زوجة أُخرى، وفي هذه الصورة لا يكون هناك وجه لإلزام الزوج بتوفير مسكن مستقلّ للزوجة.