« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموارد الّتی استثنيت من النفقة/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / الموارد الّتی استثنيت من النفقة

 

على ضوء ما تقدّم في الجلسات السابقة، يعلم حكم سائر الموارد ـ كالكسوة، والمسكن، وأدوات الطبخ، ولوازم المنزل، وآلات التنظيف، وغير ذلك ـ أيضاً. فإنّ الواجب على الزوج في جميع هذه الأُمور هو أن يوفّر للزوجة ما يكون مناسباً لشأنها، بحيث يمكن الادّعاء بأنّه بتوفير هذه الأشياء أقام صلبها وتتحقّق المعاشرة بالمعروف.

والملاك في ذلك أن تراعى ـ في أدنى المراتب ـ الحالة التي كانت عليها الزوجة قبل النكاح، بحيث لا يكون الزواج سبباً لانحدار مستوى معيشتها. نعم، إذا ارتفع شأنها بعد النكاح، وجب أن تقدّم لها النفقة بما يلائم شأنها الجديد.

وعليه فلا وجه للتفاصيل التي ذكرها الأصحاب في هذه الموارد.

إلا أنّ بعض الأُمور قد استثنيت من النفقة في كلماتهم.

قال العلامه في التحرير: «لا تستحقّ‌ الدواء للمرض، ولا أُجرة الحجّام والفصّاد، ولا أُجرة الحمّام، أمّا لو اشتدّ البرد واحتاجت إليه، فالأقرب استحقاقها له.»[1]

وذهب إلی نظيره في القواعد أيضاً.[2]

وبيّن الشيخ في المبسوط ضابطة لهذه المسألة حيث قال: «شبّه الفقهاء الزوج بالمكتري والزوجة بالمكري داراً، فما كان من تنظيف كالرشّ والكنس وتنقية الآبار والخلاء، فعلى المكتري، لأنّه يراد للتنظيف، وما كان من حفظ البنية كبناء الحائط وتغيير جذع انكسر فعلى المكري، لأنّه الأصل.

وكذلك الزوج، ما يحتاج إليه للنظافة وترجيل الشعر فعليه، وما كان من الأشياء التي تراد لحفظ الأصل والبنية كالفصد والحجامة فعليها.

وإنّما يختلفان في شيء واحد، وهو أنّ ما يحفظ البنية على الدوام وهو الإطعام، فعليه دونها؛ ففي هذا يفترقان، وفيما عداه يتّفقان.»[3]

إلا أنّ من الواضح أنّ هذه الضابطة لا أصل لها، وإنّما هي من الاستحسانات التي لا قيمة لها.

بل إنّ هذا المدّعى بإطلاقه مخالف لإطلاق الأدلّة التي أمرت بإعطاء النفقة للزوجة بالحدّ الذي تقام به صلبها، كما أنّه قد ينافي أيضاً وجوب المعاشرة بالمعروف معها.

فلذا قال السيّد الخوئی في هذا المجال: «الظاهر أنّ من النفقة الواجبة على الزوج أُجرة الحمّام عند حاجة الزوجة إلى التنظيف إذا لم تتهيّأ لها مقدّمات التنظيف في البيت، أو كان ذلك عسراً عليها لبرد أو غيره. كما أنّ منها أُجرة مصاريف الولادة والفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما. وكذلك أُجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها عادة، بل لا يبعد أن يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يكون الابتلاء بها اتّفاقيّاً ولو احتاج إلى بذل مال خطير ما لم يكن ذلك حرجيّاً.»[4]

نعم، إنّ ما ذكره في ذيل كلامه من أنّه في صورة كون العلاج حرجيّاً، لا يجب على الزوج دفع نفقة معالجة الأمراض الصعبة، لا ينسجم مع ما تقدّم في كلمات الأصحاب من أنّ الحرج وعدم القدرة على دفع النفقة، لا يسقطان أصل وجوبها، وإنّما يسقطان فعليّة الوجوب، وتستقرّ النفقة حينئذٍ ديناً في ذمّة الزوج.

اللهمّ إلّا إذا التزم بأنّه إذا لم يتمكّن الزوج من دفع النفقة أصلاً، فلا يتوجّه إليه التكليف بها من الأسا

ثمّ إنّه قد فصّل بعض الأعاظم في المسألة؛ فقال السيّد الخميني مثلاً: «الظاهر أنّه من الإنفاق الذي تستحقّه الزوجة أُجرة الحمّام عند الحاجة؛ سواء كان للاغتسال أو للتنظيف، إذا كان بلدها ممّا لم يتعارف فيه الغسل والاغتسال في البيت، أو يتعذّر أو يتعسّر ذلك لها لبرد أو غيره.

ومنه أيضاً الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها.

وكذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام التي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام. نعم، الظاهر أنّه ليس منه الدواء وما يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق، خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير.

وهل يكون منه أُجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما؟ فيه تأمّل وإشكال.»[5]

أقول: بملاحظة البيان الذي ذكره السيّد الخميني في المسألة، يظهر أنّه يرى وجوب دفع تكاليف العلاج من باب الشرط الارتكازي الضمني في العقد؛ ولأجل ذلك فرّق بين الأمراض التي يبتلى بها نوع الناس عادة وبين الأمراض النادرة أو الصعبة، إذ يمكن عدّ تحمّل تكاليف الأمراض المعتادة ممّا انعقد العقد مبنيّاً عليه، بخلاف الأمراض الشديدة النادرة التي لا يمكن ادّعاء وجود ارتكاز عرفي يوجب على الزوج تحمّل نفقات علاجها.

ولكنّ الظاهر من الأدلّة أنّه يجب دفع تكاليف العلاج مطلقاً والحقّ في هذه المسألة هو ما ذهب إليه السيّد الخوئي ولا وجه للتفصيل المذكور، لأنّ دليل وجوب دفع نفقات العلاج ليس هو الشرط الارتكازي في ضمن العقد، بل هي أدلّة النفقة التي أوجبت على الزوج إقامة صلب الزوجة وظهرها، ودفع تكاليف العلاج من أوضح مصاديق ذلك. بل إنّ الأدلّة الدالّة على وجوب المعاشرة بالمعروف أيضاً تدلّ على هذا المعنى.

إن قلت: إنّ تحمّل التكاليف الباهضة في علاج الأمراض الصعبة ليس ممّا يتحمّله الزوج عرفاً.

قلت: هذه الدعوی غير تامّة، بل الزوج المتمكّن الذي يمتنع من دفع تكاليف علاج زوجته يعدّ في نظر العرف مقصّراً في المعاشرة بالمعروف معها.

نعم، إذا تعذّر على الزوج دفع تكاليف علاج زوجته، أو كان دفعها حرجيّاً عليه، فلا إشكال في عدم وجوب ذلك؛ لأنّ تكليف الزوج بالإنفاق على زوجته مشروط بقدرته عليه كما تقدّم.

 


logo