« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 ملاحظة حال الزوجين في کيفية النفقة/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / ملاحظة حال الزوجين في کيفية النفقة

 

ذكرنا في الجلسة الماضية أنّه في تعيين مقدار نفقة الزوجة ونوعها، تكون ملاحظة حال الزوجة معتبرةً كما تكون ملاحظة حال الزوج معتبرة كذلك.

وتظهر ثمرة هذا المبنى فيما لو كانت الزوجة من أُسرة جرت العادة في نفقتها على مستوىً أعلى ممّا هو المعتاد عند غالب الناس وكان الزوج قادراً بالسعي وبغير وقوع في الحرج على توفير تلك النفقة لها، وإن لم يكن هو يصرف على نفسه في ذلك المستوى، بل يعيش ببساطة واقتصاد. فإنّ الزوج في مثل هذه الصورة يجب عليه أن يسعی لتوفير ما تستحقّه الزوجة من النفقة بحسب حالها، لا بحسب ما يصرفه هو على نفسه.

وأمّا إذا كانت مصارف الزوجة قبل الزواج في حدود نفقة غالب الناس أو دونها إلا أنّ الزوج ذا تمكّن ويسار وله إمكانات واسعة بالفعل بحيث يرى العرف الزوجة بعد دخولها في كنفه مستحقّة لنفقة أعلى ممّا كانت عليه قبل الزواج، فإنّه يجب على الزوج في هذه الحالة دفع المقدار الزائد من النفقة، إذ المدار على حال الزوج وشأن الزوجة بعد الزواج لا على حالها السابق فحسب.

وبعبارة أُخرى: إنّ الحكم العرفي في تحديد مقدار النفقة وكيفيّتها التي تستحقّها الزوجة قد تتدخّل فيه عوامل متعدّدة، ولا يناط بعامل واحد بالضرورة.

فإنّ الملاك الأساس في تقدير النفقة أن يقال عرفاً: إنّ النفقة المدفوعة للزوجة تحقّق إقامة صلبها وظهرها.

وأمّا لو كان الزوج معسراً أو أصبح معسراً بعد الزواج فلم يستطع أداء النفقة المستحقّة للزوجة بحسب ما يحكم به العرف، فهل يبقى التكليف ثابتاً في حقّه؟

الظاهر من كلمات کثير من الأصحاب ـ ممّن مرّت أقوال بعضهم ـ أنّ التكليف يسقط عن الفعليّة في زمن الإعسار، غير أنّ أصل التكليف ثابت في الذمّة، بحيث إذا ارتفع الإعسار وتمكّن الزوج لاحقاً، وجب عليه تدارك ما فات وجبران النقص من النفقة الماضية.

ولكن هذا القول غير قابل للالتزام، لأنّ ظاهر الآية الشريفة: ﴿وَمَنْ‌ قُدِرَ عَلَيْهِ‌ رِزْقُهُ‌ فَلْيُنْفِقْ‌ مِمّٰا آتٰاهُ‌ اللّٰهُ‌ لٰا يُكَلِّفُ‌ اللّٰهُ‌ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا﴾ يدلّ بوضوح على أنّ المعسر لا يتوجّه إليه تكليف ببذل نفقة تزيد على ما في وسعه وما آتاه الله من القدرة، وحمل الآية على نفي الفعليّة مع بقاء أصل التكليف، خلاف ظاهرها ـ ولذا ذهب الفاضل المقداد إلى تقييد إطلاق نفي التكليف وقصره على صورة الإعسار دون غيرها ـ ولا شاهد عليه.

وأمّا ما ورد في تتمّة الآية الشريفة: ﴿سَيَجْعَلُ‌ اللّٰهُ‌ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ لا يدلّ على بقاء التكليف في الذمّة انتظاراً لزوال الإعسار، بل هو بيان لقاعدة إلهيّة كونيّة مفادها أنّ العسر ليس دائماً وأنّ له مآلاً إلى اليسر بتقدير الله تعالى.

قد يقال: إنّ ما ورد في هذه الآية المباركة مختصّ بالمطلّقات ولا ارتباط له بنفقة الزوجة.

ولكن يجاب عن ذلك أوّلاً: إنّ المطلّقة الرجعيّة زوجة أو في حكمها، ونفقتها لا تختلف عن نفقة الزوجة.

وثانياً: إنّ ما ورد في الآية المباركة وإن كان وارداً في مورد المطلّقة الرجعيّة، إلّا أنّه يمكن الادّعاء بأنّه في مقام بيان قاعدة كلّيّة، وهذه القاعدة تجري في نفقة جميع أفراد المنفق عليهم، زوجة كانت أو غيرها.

ويؤيّد ما ذكرناه ما ورد في الآية السابقة عليها، وهو قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾[1]
فإنّه وإن كان وارداً في إسكان المطلّقات الرجعيّات في أيّام العدّة، إلّا أنّه قد قلنا: إنّه لا فرق من حيث النفقة بين المطلّقة الرجعيّة في أيّام عدّتها وبين الزوجة.

وبناءً علی ذلك فإنّ الأمر بإسكان المطلّقة الرجعيّة في المنزل الذي يسكن فيه الزوج وفي حدّ وسعه وطاقته، يدلّ على أنّ الزوج لا يكلّف بأكثر من ذلك، ولا يصحّ الادّعاء بأنّه لو كان المسكن الذي أسكنها فيه ممّا يسعه ويوجد عنده، غير لائق بشأنها، لكان مديناً للزوجة بالمقدار الزائد إلى الحدّ المناسب لشأنها.

وأمّا ما ذكر في ذيل الآية السادسة من النهي عن إلحاق الضرر بالزوجة، فنؤخّر توضيح المراد منه إلى الجلسة الآتية إن شاء الله تعالى.

 


logo