47/06/08
بسم الله الرحمن الرحیم
جنس الطعام/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / جنس الطعام
قد تقدّم في الجلسات السابقة البحث عن النفقة من جهة مقدار الطعام الذي يجب على الزوج توفيره.
أمّا من حيث جنس الطعام، فقد ذكر الشيخ في المبسوط ما نصّه: «ويعتبر بغالب قوت أهل البلد وينظر إلى غالب قوته، فأوجب عليه، كالإطعام في الكفّارات.»[1]
وقال العلامة في القواعد: «جنسه غالب قوت البلد، كالبرّ في العراق وخراسان، والأرز في طبرستان، والتمر في الحجاز، والذرّة في اليمن، فإن لم يكن فما يليق بالزوج.»[2]
وقال كاشف اللثام في سياق توضيح ما أفاده العلامة في صدر كلامه: «لأنّ شأن كلّ مطلق حمله على المعتاد، ولأنّه من المعاشرة بالمعروف بالنسبة إليهما.
وإن اختلف الغالب باختلاف الناس، اعتبر حالها.»[3]
وأمّا في بيان وجه ما ادّعاه الشيخ ـ حيث إنّه بعد أن ذكر اعتبار قوت غالب أهل البلد، صرّح باعتبار غالب قوت الزوج ـ فقد ذهب كاشف اللثام إلى احتمال أن يكون مراده عين ما أفاده العلامة في ذيل كلامه وبيّن ذلك بقوله: «يحتمل أن يكون أراد به ما ذكره المصنّف بقوله: فإن لم يكن القوت الغالب ـ أي: لم يقدر عليه الزوج، إمّا لعدمه، أو عدم الوصلة إليه ـ فما يليق بالزوج، لأنّه لا تكلّف نفس إلا وسعها. ولقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ﴾[4] .
ولا حاجة إلى التقييد بأن لا يقدر على ما يليق بها، فإنّ ما يليق بها هو قوت البلد.»[5]
وأمّا الشهيد الثاني فقد أفاد في هذا الصدد ما نصّه: «يرجع فيما تحتاج إليه ـ من الطعام وجنسه من البرّ والشعير والتمر والزبيب والذرّة وغيرها، و الإدام الذي تأتدم به من السمن والزيت والشيرج واللحم واللبن وغيره، والكسوة من القميص والسراويل والمقنعة والجبّة وغيرها، وجنسها من الحرير والقطن والكتّان، والإسكان في دار وبيت لائقين بحالها، والإخدام إذا كانت من ذوي الحشمة والمناصب المقتضية له، وآلة الادّهان التي تدّهن بها شعرها وترجّله من زيت أو شيرج مطلق أو مطيّب بالورد أو البنفسج أو غيرهما ممّا يعتاد لأمثالها، والمشط وما يغسل به الرأس من السدر والطين والصابون على حسب عادة البلد، ونحو ذلك ممّا تحتاج إليه ـ إلى عادة أمثالها من أهل بلدها. وإن اختلفت العادة رجع إلى الأغلب. ومع التساوي فما يليق منه بحاله.»[6]
وقال صاحب الجواهر بعد ذكر هذه الأقوال: «لعلّ ما في المسالك من الرجوع إلى عادة الأمثال من أهل البلد أولى من جعل المدار على القوت الغالب في القطر أو البلد، ضرورة انسياق الأول من إضافة ﴿رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾[7] و«ستر عورتها وسدّ جوعتها».
وكذا ما ذكره من الرجوع إلى الأغلب مع الاختلاف، فإنّه الأقرب إلى الإضافة المزبورة وإلى حمل الإطلاق.
نعم، ما ذكره من الرجوع إلى ما يليق بحال الزوج مع التساوي لا يخلو من نظر، فإنّ المتّجه في الفرض التخيير بين أفراد ما يليق بها، إذ هو الفرد القريب إلى الإضافة المزبورة وإلى المعاشرة بالمعروف.
كما أنّ ما ذكره غيره من أنّه إن لم يقدر الزوج على القوت الغالب ـ إمّا لعدمه أو عدم الوصول إليه ـ فما يليق بالزوج، كذلك أيضاً، لاحتمال احتساب ذلك عليه ديناً خصوصا في الأخير. ولو أُخذ بإطلاق الآية لكان المتّجه اعتبار حال الزوج بالنظر إلى إعساره وإيساره وإن كان القوت الغالب موجوداً، ولعلّ الخصم لا يلتزم به.
اللهمّ إلا أن يقال: إنّ المراد عدم الشيء في نفسه أو حصول المانع إليه من خوف عامّ أو نحو ذلك ممّا هو من عوارض النفقات في العرف والعادة أيضاً، لا من عوارض المنفق، فإنّه حينئذٍ قد يقال: العشرة بالمعروف هو المقدور، بل يكون هو قوت الأمثال في هذا الحال؛ فتأمل جيّداً.»[8]
غير أنّ ما ذكره في الاعتراض على كلام الشهيد الثاني لا يورد إشکالاً علی دعوی صاحب المسالك؛ وذلك لأنّ تخيير الزوج في تحديد جنس النفقة عند التساوي، لا يؤول عمليّاً إلى نتيجة مغايرة لما ذكره الشهيد الثاني من أنّ الزوج في هذه الحالة يدفع النفقة بما يناسب حاله وشرائطه.
وسنتابع الکلام في المسألة في الجلسة القادمة إن شاء الله.