« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 ملاك الطعام في النفقة/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / ملاك الطعام في النفقة

 

قال الشيخ في المبسوط في بيان ملاك الطعام الذي يدفع بعنوان النفقة للزوجة: «نفقة الزوجات معتبرة بحال الزوج لا بحالها، فإن كان مؤسراً فعليه مدّان في كلّ يوم، وإن كان متوسّطاً متجمّلاً فعليه مدّ ونصف، وإن كان معسراً فقدر المدّ.

فالنفقات ثلاثة: نفقة المؤسر والمتوسّط والمعسر؛ وفيه خلاف.»[1]

وأورد ابن البرّاج أيضاً مضمون هذا الكلام، غير أنّه حكاه بصيغة «قيل» عند ذكر التقدير.[2]

ولکن قال الشيخ في الخلاف: «نفقة الزوجات مقدّرة وهي مدّ قدره رطلان وربع.

وقال الشافعي: نفقاتهنّ على ثلاثة أقسام: الاعتبار بالزوج إن كان مؤسراً فمدّان، وإن كان متوسّطاً فمدّ ونصف، وإن كان معسراً فمدّ واحد. والمدّ عنده رطل وثلث...

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.»[3]

فبمقتضى ما ذکره في الخلاف، يتبيّن أنّ مدّعاه في المبسوط موافق لرأي الشافعي، ولا دليل عليه.

وامّا ما أفاده من كون مقدار المدّ منصوصاً، فإنّما هو ناظر إلى صحيحة شهاب.

وفي مقابل هذا المدّعى، نقل العلامة عن ابن الجنيد ما هذا لفظه: «ابن الجنيد لم يقدّر، بل قال: وحقّ‌ المرأة على زوجها ما يسدّ جوعتها ويستر عورتها، هذا في الإقتار، والمتوسّط أن يكون يطعمها اللحم في كلّ‌ ثلاثة أيّام.»[4]

وقال أيضاً ابن حمزة: «الزوج ثلاثة أنواع: حرّ ومكاتب وعبد. والحرّ ثلاثة أنواع: مؤسر ومتوسّط ومعسر. والزوجة ثلاثة أنواع: حرّة شريفة، وغير شريفة، وأمة.

فالمؤسر إذا تزوّج بشريفة ووجبت النفقة عليه، لزمه من الإطعام والإدام على حسب عادة البلد.»[5]

کما قال ابن إدريس: «نفقة الزوجات عندنا غير مقدّرة بلا خلاف، إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه، فإنّه ذهب إلى أنّها مقدّرة ومبلغها مدّ وقدره رطلان وربع، ثمّ استدل رحمه الله بإجماع الفرقة وأخبارهم.

وهذا عجيب منه رضي الله عنه، والسبر بيننا وبينه، فإنّ أخبارنا لم يرد منها خبر بتقدير نفقة.

وأمّا أصحابنا المصنّفون فما يوجد لأحد منهم في تصنيف له تقدير النفقة إلا من قلّده وتابعه أخيراً.

والدليل على أصل المسألة قوله تعالى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[6] ، أي بما يتعارف الناس. وأيضاً الأصل براءة الذمّة من التقدير، فمن ادّعى شيئاً بعينه فإنّه يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنّة ولا إجماع، والأصل براءة الذمّة.»[7]

ولكن من المعلوم أنّ دعوى ابن إدريس بعدم ورود خبر يدلّ على تقدير النفقة، ناشئة عن عدم اطّلاعه على صحيحة شهاب.

ولهذا اعترض عليه العلامة في المختلف فقال: «قول ابن إدريس وإن كان جيّداً، لكن نسبة الشيخ إلى قول ما ليس بحقّ‌ في غاية الجهل والحمق.»[8]

وذكر صاحب الرياض أنّ عدم تقدير النفقة وإرجاعها إلى المتعارف هو الأشهر بين الأصحاب[9] ، بل نسبه الفيض الكاشاني والمحقّق السبزواري إلى المشهور[10] [11] .

وقال الشهيد ثانی بعد ذکر کلام الشيخ في الخلاف والمبسوط: «الأصل في هذا التقدير أن المدّ قدّره الشارع في الكفّارات قوتاً للمسكين، فاعتبرت النفقة به، لأنّ كلّ‌ واحد منهما مال يجب بالشرع لأجل القوت ويستقرّ في الذمّة.

وربما أوجب الشارع في بعض الكفّارات لكلّ‌ مسكين مدّين، فجمع في القول الثاني بين الأمرين بجعل المدّين على الموسر والمدّ على المعسر، وجعل المتوسّط بينهما، فألزم بمدّ ونصف.

والأقوى ما اختاره المصنّف من عدم التقدير والرجوع إلى قدر الكفاية وسدّ الخلّة وهي الحاجة.»[12]

والحقّ مع المشهور في هذه المسألة، إذ لا وجه لتقدير النفقة، بل لابّد فيها من الرجوع الى المتعارف. وما ورد في صحيحة شهاب ـ كما ذكره صاحب الوسائل ـ إنّما هو ناظر إلى عرف زمان صدور الرواية وليس من باب التعبّد.

ويؤيّد ذلك اطلاقات الأخبار التي اكتفت في إثبات حقّ الزوجة بمجرّد صدق الإنفاق، أو تلك التي ذكرت مقداراً للطعام أكثر ممّا ورد في صحيحة شهاب.

منها: موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: «قلت لأبي عبدالله(ع): ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها، وإن جهلت غفر لها...»[13] [14]

ومنها: خبر عمرو بن جبير العزرمي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «جاءت امرأة إلى النبيّ(ص) فسألته عن حقّ الزوج على المرأة فخبّرها ثمّ‌ قالت: فما حقّها عليه؟ قال: يكسوها من العُري ويطعمها من الجوع، وإن أذنبت غفر لها...»[15] [16]

ومنها: خبر يونس بن عمّار، قال: «زوّجني أبو عبدالله(ع) جارية كانت لإسماعيل ابنه، فقال: أحسن إليها. فقلت: وما الإحسان إليها؟ فقال: أشبع بطنها واكسُ جثّتها واغفر ذنبها...»[17] [18]

ومنها: خبر زيد الشحّام عن أبي عبدالله(ع): «...قال: أمّا نحن نَرزق عيالنا مدّين تمراً.»[19] [20]

وأمّا تفصيل الكلام في جنس الطعام وما ورد فيه من آراء الأعلام، فسيأتي في الجلسة الآتية إن شاء الله تعالى.

 


[10] ـ مفاتيح، ج2، ص179.
logo