« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/05/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 تكذيب بعد اللعان _ فروعات نفقة المطلقة الرجعية/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / تكذيب بعد اللعان _ فروعات نفقة المطلقة الرجعية

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ كاشف اللثام نسب إلى الشيخ القول بجواز رجوع الحامل على من لاعنها لنفي الولد عن نفسه ثمّ كذّب دعواه بعد ذلك للمطالبة بالنفقة التي أنفقتها على الحمل خلال تلك المدّة.

وقد ورد ما نسبه إليه في المبسوط بلفظه، قال: «إن أكذب نفسه، لحق النسب به ووجب الحدّ وعادت نفقتها في المستقبل حتّى تضع. ولها أن ترجع بقدر ما انقطعت النفقة عنها، لأنّها إنّما انقطعت لانقطاع النسب، فإن عاد النسب عادت النفقة.

هذا إذا قذف زوجته ولاعنها.

فأمّا إن طلّقها وأبانها ثمّ ظهر بها حمل فقذفها ونفاه، فهل يصحّ اللعان على نفي الحمل بعد البينونة‌؟ قيل: فيه قولان؛ أحدهما: يصحّ، وهو الصحيح عندنا؛ والآخر: لا يصحّ.

فمن قال يصحّ فنفاه، وقع التحريم المؤبّد وسقطت نفقتها لانتفاء الحمل. فإن أكذب نفسه ههنا عاد النسب وعادت النفقة التي قطعها عن نفسه من حين اللعان إلى حين التكذيب. وهكذا إن وضعته ثمّ أكذب نفسه، فعليه نفقتها زمان العدّة، وأُجرة حضانتها، لأنّه قد بان أنّه كان واجباً عليه. وجملته أنّ كلّ ما سقط باللعان يعود بإكذاب نفسه.»[1]

أقول: إنّ هذه المسألة مبنيّة على أنّه هل يحكم بعود النسب بعد تكذيب النفس في اللعان الواقع لنفي الولد، فتجري جميع أحكام النسب في هذا الفرض إلا الإرث من جانب الأب وأقاربه، أم يقال بعدم عود النسب وإنّما يحكم بثبوت إرث الولد من أبيه خاصّة؟

ووجه قول الشيخ بوجوب الإنفاق أنّه أوّلاً: يرى اختصاص النفقة بالحمل في حال الحمل، وثانياً: يعتبر تكذيب الأب لنفسه بعد اللعان موجباً لرجوع النسب[2] .

غير أنّ ما أورده كاشف اللثام من الإشكال على ذلك بدعوى أنّ نفقة الأقارب لا تقضى، إشكال في محلّه، إذ لا وجه للحكم بوجوب دفع النفقة التي لم يكن الأب قد أدّاها للحمل قبل رجوعه عن دعواه. إلّا إذا كانت الأُمّ قد تولّت الإنفاق على الحمل خلال تلك المدّة بسبب نفي الأب للولد ووقوع اللعان، ففي هذه الصورة يجب على الأب أن يردّ إليها ما أنفقته، لأنّ السبب في وجوب إنفاقها علی الحمل هو دعواه الكاذبة في نفي الولد.

ولکنّ الذي ينبغي قوله في جميع هذه الفروض هو أنّه بعد أن تقرّر أنّ نفقة المطلّقة الحامل مختصّة بالحامل نفسها وأنّ المستفاد من الآية والروايات لا يزيد على ثبوت وجوب النفقة المذكورة في مورد الطلاق خاصّة، فلا دليل على وجوبها عند حصول الفرقة بوجه آخر، وعليه فلا وجه للحكم بوجوب الإنفاق في شيء من الفروض المتقدّمة.

وبناءً على هذا المطلب، يتّضح إشكال كلام آخر للعلامة أيضاً حيث قال في ضمنه: «المعتدّة عن شبهة... إن كانت خليّة عن النكاح، فلا نفقة لها على الواطئ، إلا مع الحمل، فتثبت لها النفقة إن قلنا: إنّها للحمل.»[3]

ثمّ إنّه قد وردت في کلمات الأصحاب فروع حول نفقة المطلّقة الرجعيّة سنعقب ببحثها وتحقيقها فيما يأتي.

الفرع الأوّل: هل الآلات والأدوات المعدّة لتنظيف الزوجة ـ التي يجب على الزوج تحمّل نفقتها ـ تكون واجبة الدفع أيضاً في حقّ المطلّقة الرجعيّة؟

قال صاحب المسالك في هذا الشأن: «استثنى بعضهم من مؤونتها آلة التنظيف، لأنّ الزوج ممتنع عنها؛ وهو حسن.»[4]

ومراده من لفظ «بعض» هم جماعة من فقهاء العامّة.

قال النووي الشافعي في روضة الطالبين: «المعتدّة الرجعيّة تستحقّ النفقة والكسوة وسائر المؤن إلا آلة التنظّف.»[5]

وقال الفيض الکاشاني: «وتثبت للمطلّقة الرجعيّة، للنصوص ولبقاء حبس الزوج وسلطنته، إلا مؤونة التنظيف على رأي حسن، لامتناع الزوج عنها.»[6]

ولکن قال صاحب المدارك: «استثنى بعضهم من النفقة آلة التنظيف، لأنّ الزوج لا ينتفع بذلك، والإطلاق أجود، فلعلّ‌ الله يحدث بعد ذلك أمراً.»[7]

وقال صاحب الرياض: «ربما استثني آلة التنظيف، لأنّها لفائدة الاستمتاع وقد انتفت بالطلاق.

ويدفعه بعد الإطلاقات ظاهر: ﴿لَعَلَّ‌ اللّٰهَ‌ يُحْدِثُ‌ بَعْدَ ذٰلِكَ‌ أَمْراً﴾[8] المفسّر في المعتبرة بتزيّن الزوجة رجاء الرجعة.»[9]

وقد استند صاحب الرياض ـ تبعًا لصاحب الحدائق ـ في تتمّة كلامه إلى جملة من الأخبار أيضاً في تأييد مدّعاه:

منها: موثّقة أبي بصير عن أحدهما(ع): «في المطلّقة تعتدّ في بيتها وتُظهر له زينتها؛﴿لَعَلَّ‌ اللّٰهَ‌ يُحْدِثُ‌ بَعْدَ ذٰلِكَ‌ أَمْراً﴾[10] [11]

ومنها: معتبرة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(ع)، قال: «المطلّقة تشوّفت لزوجها ما كان له عليها رجعة، ولا يستأذن عليها.»[12] [13]

ومنها: خبر زرارة عن أبي عبدالله(ع)، قال: «المطلّقة تكتحل وتختضب وتطيّب وتلبس ما شاءت من الثياب، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول:﴿لَعَلَّ‌ اللّٰهَ‌ يُحْدِثُ‌ بَعْدَ ذٰلِكَ‌ أَمْراً﴾، لعلّها أن تقع في نفسه فيراجعها.»[14] [15]

ومنها: خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسی بن جعفر(ع)، قال: «سألته عن المطلّقة، لها أن تكتحل وتختضب أو تلبس ثوباً مصبوغاً؟ قال: لا بأس إذا فعلته من غير سوء.»[16] [17]

إلا أنّه توقّف في نهاية المطاف في الاستناد إليها لإثبات مدّعاه وتأمّل في دلالتها.

وقال صاحب الجواهر في بيان الإشكال الوارد على التمسّك بهذه الأخبار: «إنّ ذلك كلّه لا يدلّ على كون آلة الزينة منه، ولعلّ الأولى الاستدلال عليها بالإطلاق السابق.»[18]

والحقّ أنّ ما أفاده صاحب الجواهر في هذا الإشكال تامّ قابل للالتزام، إذ مجرّد جواز تزيّن المطلّقة الرجعيّة بل ووجوبه عليها أحياناً، لا يقتضي أن تكون نفقته ـ أي مؤونة الزينة وآلات التنظيف ـ على عاتق المطلّق.

ونوکل ما يمکن الالتزام به في هذه المسألة إلی الجلسة القادمة إن شاء الله.

 


logo