« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأقوال في نفقة المطلقة الحامل/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / الأقوال في نفقة المطلقة الحامل

 

كان البحث يدور حول أنّ النفقة التي تعطى للمطلّقة الحامل، هل تختصّ بالزوجة أم أنّها خاصّة بالحمل؟

قد مرّ في نقل كلام الشيخ في التبيان أنّ ظاهر عبارته في تفسير الآية الشريفة يدلّ على أنّ النفقة تختصّ بالزوجة. إلا أنّه قال في المبسوط: «لمن تجب النفقة‌؟ قيل: فيه قولان:

أحدهما: النفقة لها لأجل الحمل؛ وهو أصحّهما عند المخالف.

والثاني: النفقة للحمل؛ وهو أقواهما عندي، بدليل أنّها لو كانت حائلاً لا نفقة لها وإذا كانت حاملاً وجبت النفقة، فلما وجبت بوجوده وسقطت بعدمه، ثبت أنّ النفقة له، كالزوجة، لها النفقة مادامت زوجة، فإذا زالت الزوجيّة فلا نفقة لها، فكانت النفقة لأجل الزوجيّة.

ولأنّه لمّا كانت النفقة له إذا كان منفصلاً فكذلك إذا كان متّصلاً.

ولأنّ أصحابنا رووا أنّه ينفق عليها من مال الحمل، فدلّ على أنّه لا يجب عليها.»[1]

وتبعه ابن البرّاج والعلامه في المختلف في هذه المسأله.[2] [3]

ولکن قال ابن زهرة: «إنّ النفقة تجب لها بلا خلاف.»[4]

وقد ذكر ابن إدريس أيضاً نظير هذا الکلام.[5]

وقال ابن حمزة: «فالحامل يلزم لها النفقة والسكنى لمكان الحمل.»[6]

وقال الحلبي: «نفقة عدّة الطلاق الرجعي واجبة، ولا تجب للبائن إلا أن تكون حاملاً.»[7]

بل قال الشيخ نفسه في الخلاف: «البائن إذا كانت حاملاً فلها النفقة بلا خلاف.»[8]

وظاهر هذه الکلمات اختصاص النفقة بالمطلقة الحامل.

نعم، قال الشيخ في النهاية: «متى كانت التطليقة بائنة لا يملك فيها الرجعة، جاز له إخراجها في الحال ولا تلزمه أيضاً نفقتها. اللهمّ‌ إلا أن تكون حاملاً، فتلزمه النفقة عليها حتّى تضع ما في بطنها.»[9]

فإنّ ظاهر هذه العبارة إنّما هو وجوب دفع النفقة إلى المطلّقة الحامل، ولا يستفاد منها اختصاص النفقة بها، بل لعلّ النفقة تكون مختصّة بالحمل غير أنّ إيصالها إليه لا يتحقّق إلا بدفعها إلى أُمّه، فيكون دفعها إليها من باب الطريقيّة.

وعليه يمكن أن يقال: إنّ مراد القائلين بوجوب النفقة للحامل ليس أمراً آخر وراء هذا، فلا يمكن استفادة اختصاص النفقة بالحامل من كلماتهم، ولا سيّما مع ملاحظة أنّ الشيخ نفسه مع تبنّيه اختصاص النفقة بالحمل في المبسوط قد ادّعى في الخلاف عدم الخلاف في المسألة، وهذا يكشف عن أنّ مقصوده من ذلك الكلام إنّما هو أصل وجوب النفقة، لا أنّها تختصّ بالحامل.

بل ادّعى صاحب الحدائق موافقة أكثر الأصحاب للشيخ في المبسوط في هذا القول.[10]

ثمّ إنّه قال صاحب المدارك في نهاية المرام: «قيل: انّها للحامل، وهو الأصحّ‌، لأنّه المستفاد من الآية، فإنّ الضمير في ﴿عَلَيْهِنًّ﴾ يرجع الى الحامل بغير إشكال.»[11]

وأشکل عليه صاحب الرياض حيث قال: «غاية ما يستفاد منها الإنفاق عليها، الأعمّ‌ من كونه لها أو لولدها، وليس في شيء منها تعيين أحدهما، ولذا اختلف فيه كلام أصحابنا.»[12]

فإنّ ما أفاده مبنيّ في الواقع على ما تقدّم منّا من أنّ النفقة تسلّم إلى المطلّقة علی کلّ حال، سواء كانت مختصّة بالمطلّقة أو بالحمل، لأنّ إيصالها إلى الحمل ـ بناءً على اختصاصها به ـ لا يكون إلا عن طريقها، وما ورد في الآية الشريفة والأخبار إنّما هو بيان وجوب الإنفاق على المطلّقة الحامل، ولا دلالة فيه على اختصاص النفقة بها بعنوانها.

وأمّا الأدلّة التي ذكرها الشيخ لاختصاص النفقة بالحمل فليست تامّة أيضاً؛ فإنّ مجرّد كون المطلّقة تستحقّ النفقة في حال الحمل دون غيره، لا يلازم كون النفقة للحمل بعنوانه، بل يمكن أن يكون الحمل جهة تقييديّة لاختصاص النفقة بالمطلّقة نفسها. ويؤيّد ذلك تشبيهه المسألة بنفقة الزوجة التي تنتفي بانتفاء الزوجيّة، فإنّ النفقة هناك ثابتة للزوجة، والزوجيّة إنّما هي جهة تقييديّة لذلك.

وأمّا ما استدلّ به من أنّ الولد إذا ولد كانت نفقته على أبيه فکذلك قبل ولادته، فلا ينهض للدلالة على أنّ النفقة المذكورة في الآية الشريفة والأخبار الثابتة لمدّة الحمل مختصّة به؛ كما أنّ الزوج إذا كانت زوجته حاملاً وجب عليه الإنفاق عليها، ولم يقل أحد بأنّ عليه نفقتين: نفقة للزوجة وأُخرى للحمل.

نعم، إنّ نفقة المرأة الحامل تختلف کمّاً وكيفاً عن نفقة الحائل لما يطرأ عليها من احتياجات زائدة بسبب وجود الحمل، ومع ذلك لم يقل أحد بأنّه إذا كان للحمل مال، تؤخذ تلك الزيادة منه؛ لأنّ نفقة أيّام الحمل إنّما هي نفقة الزوجة نفسها لا نفقة الحمل، وإن كان الحمل هو السبب في زيادة احتياجاتها.

وعليه فلا بُعد في أن يقال: إنّ النفقة ثابتة للمطلّقة الحامل بعنوانها، غير أنّ مقدارها وكيفيّتها يتحدّدان بلحاظ كونها حاملاً.

وبه يتّضح وجه ما ذكرناه سابقاً من شمول الآية الشريفة للمطلّقة الرجعيّة الحامل أيضاً؛ إذ وإن كانت المطلّقة الرجعيّة تستحقّ النفقة على كلّ حال، إلا أنّ نفقتها في حال الحمل تختلف عن نفقتها في غير حال الحمل كمّاً وكيفاً.

وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من أنّ النفقة تكون من مال الحمل، فإنّما هو في مورد ما إذا كان الأب قد توفّي، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى ولا ارتباط له بمحلّ البحث.

 


logo