47/05/03
بسم الله الرحمن الرحیم
نفقة المطلقة الحامل/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / نفقة المطلقة الحامل
قال المحقّق الحلّي: «نعم، لو كانت المطلّقة حاملاً، لزم الإنفاق عليها حتّى تضع، وكذا السكنى.
وهل النفقة للحمل أو لأُمّه؟ قال الشيخ رحمه الله: هي للحمل.»[1]
إنّ الدليل الأساس في وجوب نفقة المطلّقة الحامل إلى أن تضع حملها، هو الآية الشريفة الواردة في شأن المطلّقات: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾[2]
قال الشيخ الطوسي في تفسيرها: «أمر من الله تعالى بالإنفاق على الحامل المطلّقة، سواء كانت رجعيّة أو مبتوتة، ولا خلاف في ذلك، وإنّما يجب أن ينفق عليها بسبب ما في بطنها، وإنّما تسقط نفقتها بالوضع.»[3]
وظاهر كلامه هنا هو أنّ النفقة تثبت للمطلّقة، وإن كان سبب تعلّقها بها هو حملها.
ولکن قال فخرالدين الرازي في تفسير الآية الشريفة: «هذا بيان حكم المطلّقة البائنة، لأنّ الرجعيّة تستحقّ النفقة وإن لم تكن حاملاً، وإن كانت مطلّقة ثلاثاً أو مختلعة، فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملاً.»[4]
ولكنّ الحقّ أنّ الآية الشريفة ذات عموم، فتشمل المطلّقة الرجعيّة والمطلّقة البائن معاً، ولا ينافي ذلك ثبوت النفقة للمطلّقة الرجعيّة في غير مورد الحمل. غاية الأمر أنّ مفهوم الآية ـ الدالّ على نفي النفقة عن المطلّقة الحائل على نحو الإطلاق ـ يقيّد بالأدلّة التي تقدّم ذكرها في وجوب نفقة المطلّقة الرجعيّة.
إن قلت: إنّ وجوب نفقة المطلّقة الرجعيّة الحائل أيضاً متوقّف على الأخذ بإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب نفقة المطلّقة الرجعيّة، وحينئذٍ يكون إطلاق مفهوم الآية الشريفة المعارض لإطلاق تلك الأخبار مساوياً له في الرتبة، ولا موجب لتقديم أحدهما على الآخر. فبعد تساقط الإطلاقين عن الاعتبار، يكون مقتضى الأصل عدم وجوب النفقة للمطلّقة الرجعيّة الحائل.
قلت: إنّ الإطلاق في الأخبار الواردة في وجوب نفقة المطلّقة الرجعيّة إطلاق منطوقي، وأمّا الإطلاق المدّعى في الآية الشريفة فهو إطلاق مفهومي، والمنطوق أظهر وأقوى دلالة من المفهوم. وعليه فيقدّم مدلول الأخبار على مدلول الآية الشريفة في هذا المورد، فيثبت وجوب النفقة للمطلّقة الرجعيّة وإن لم تكن حاملاً.
بل حتّى لو لم يسلّم هذا الاستدلال، أمكن أن يقال: إنّه بعد سقوط إطلاق كلا الدليلين عن الحجّيّة، يرجع إلى العمومات الدالّة على أنّ المطلّقة الرجعيّة بحكم الزوجة في جميع الأحكام ـ ومنها النفقة ـ ومع وجود هذه العمومات لا يصل الدور إلى الرجوع إلى الأصل العملي.
ثمّ إنّه قد ورد في الأخبار أيضاً ما يدلّ علی وجوب نفقة المطلّقة الحامل إلی أن تضع حملها:
منها: صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع): «في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى، قال: أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها حتّى تضع حملها.»[5] [6]
ومنها: حسنة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(ع)، قال: «الحامل أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها بالمعروف حتّى تضع حملها.»[7] [8]
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها...»[9] [10]
ومنها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله(ع)، قال: «سمعته يقول: الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها...»[11] [12]
أقول: إنّ ناقل هذه الرواية عن أبي بصير هو علي بن أبي حمزة البطائني، غير أنّ الراوي عنه هو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وهو من أجلّة الأصحاب. ولمّا کان احتمال روايته عن أحد عمد الواقفة بعد ثبوت وقفه ضعيف جدّاً، كانت الرواية معتبرة عندنا.
ومنها: خبر أبي الصبّاح الكناني عن أبي عبدالله(ع)، قال: «إذا طلّق الرجل امرأته وهي حبلى، أنفق عليها حتّى تضع حملها...»[13] [14]
بل قد يفهم من بعض الأخبار المتقدّمة الواردة في نفقة المطلّقة البائن حيث كان الإمام(ع) يسأل عن كون المطلّقة حبلى فإذا أُجيب بعدم حملها حكم بعدم نفقتها، إشعـار بالحكم المذكور أيضاً.
وعليه فلا إشكال في أنّ نفقة المطلّقة الحامل ثابتة على الزوج إلى حين وضع حملها. وحيث إنّ من جملة ما يجب على الزوج في النفقة ـ وسيأتي البحث عنه لاحقاً إن شاء الله تعالى ـ تأمين المسكن، كانت سكنى المطلّقة الحامل أيضاً ممّا يجب على الزوج القيام به.
إلا أنّ البحث الذي أُثير في هذا المقام والذي رتّب الأصحاب عليه آثاراً، فهو أنّ النفقة المذكورة هل هي مختصّة بالحمل، أم أنّها ثابتة للمطلّقة نفسها؟
ومن الواضح أنّ النفقة ـ على كلّ تقدير ـ تسلّم إلى الأُمّ، غير أنّه على الأوّل يكون أخذها لها من باب وصول الحقّ إلى مستحقّه ـ وهو الحمل ـ وتكون الأُمّ مجرّد طريق لإيصاله إليه، بخلاف ما إذا قلنا باختصاص النفقة بالمطلّقة، فإنّ تسليمها إليها يكون بعنوان استيفاء حقّها هي.
وسوف نتعرّض لبحث هذه المسألة في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.