« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 تتمّة مدّعا صاحب الجواهر – الثمرة الثانية و الثالثة/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / تتمّة مدّعا صاحب الجواهر – الثمرة الثانية و الثالثة

 

قال صاحب الجواهر في سياق تتمّة مدّعاه واستدلالاً على تقديم قول الزوج في موارد النزاع بين الزوج والزوجة في استحقاق النفقة: «التحقيق أنّه ليس في شيء ممّا ذكرناه وذكروه من أدلّة التمكين، ما يقتضي اعتباره شرطاً على وجه تتفرّع عليه الفروع التي ذكروها المعلوم توقّفها على دليل يدلّ على شرطيّته بقول مطلق، وأقصى ما يستفاد من نصوص الطاعة وحقيقة الزوج أنّه لا نفقة لها مع انتفاء الطاعة الذي يتحقّق بنشوزها وتقصيرها في تأدية حقّه.

كما أنّ الانصاف عدم إجمال فيما دل على وجوب الإنفاق على الزوج من الكتاب والسنّة ومعاقد الإجماعات. ومن الغريب دعوى ذلك ممّا سمعته من كشف اللثام وفاضل الرياض والمحكيّ عن سيّد المدارك، مع أنّهم لا مفرّ لهم عن التمسّك بها في فاقدة التمكّن لعذر شرعي أو عقلي. فالمتّجه حينئذٍ في مثل الفرض عدم الحكم بالنفقة، للشكّ في حصول الطاعة، لا لأنّ التمكّن شرط ولم يتحقّق، فإنّك قد عرفت أنّه لا دليل على شرطيّته كما هو واضح بأدنى تأمّل وإنصاف.

وبذلك يظهر لك الفرق بين قولنا والقول بأنّ النشوز مانع.»[1]

فإنّ مّا ادعاه إنّما هو لحلّ الإشكال في فرض عدم قدرة الزوجة العقليّة أو الشرعيّة على التمكين؛ بمعنى أنّه لمّا كانت الطاعة من قبل الزوجة شرطاً، فإنّه في فرض عدم قدرتها العقليّة أو الشرعيّة على التمكين، لا يكون للزوج قدرة على مطالبة الاستمتاع، ومن ثمّ لا يصدق عنوان عدم الطاعة عليها.

غير أنّ هذا المضمون لا يزيد على القول باشتراط التمكين نفسه؛ اذ كما بيّنّا سابقاً فإنّ النسبة بين التمكين والنشوز نسبة الملكة وعدمها، فمورد صدق عدم التمكين أو النشوز هو ما إذا كانت الزوجة واجدة للقدرة العقليّة والشرعيّة على التمكين. أمّا الزوجة العاجزة عقلاً أو شرعاً عن التمكين، فمتى كان الزوج غير متمكّن من الاستمتاع بها، فلا يصدق في حقّها لا عنوان عدم الطاعة ولا عنوان النشوز أو عدم التمكين. فإنّ الطاعة التي اعتبرها صاحب الجواهر شرطاً في استحقاق النفقة، ليست سوى نفس تمكين الزوجة للزوج.

وعليه فلو وجد إشكال في تقديم قول الزوج في النزاع عند القول باشتراط التمكين، فإنّ هذا الإشكال بعينه يرد أيضاً على القول باشتراط الطاعة.

الثانية: إنّ الثمرة الثانية التي ذكرها صاحب المدارك ـ وهي أنّه على القول باشتراط التمكين في استحقاق النفقة، إذا كانت الزوجة مدّة في بيت الزوج من غير أن يصدر منها قول أو فعل يدلّ على تمكينها، لم تستحقّ النفقة، بخلاف ما إذا قيل بأنّ النشوز مانع، فإنّها حينئذٍ تستحقّ النفقة ما لم يصدر منها ما يدلّ على النشوز ـ وإن كانت تامّة من حيث مقام الإثبات، الا أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ ذلك إنّما يتمّ في صورة شكّ الزوج في نشوز الزوجة أو تمكينها. أمّا اذا كان واثقاً بعدم نشوزها أو كان احتمال نشوزها غير معتدّ به، فإنّ وجوب الإنفاق عليها ثابت ولو لم تظهر منها علائم تدلّ على تمكينها، لأنّ الفرق بين اشتراط التمكين ومانعيّة النشوز إنّما هو فرق في مقام الإثبات لا في مقام الثبوت؛ فمتى علم ثبوتاً عدم نشوز الزوجة كان لازمه تمكينها من الزوج.

وممّا يؤيّد ما ذكرناه، ما أفاده العلامة في القواعد حيث قال: «لو لم يدخل ومضت مدّة، استحقّت النفقة فيها على الأوّل إن كانت ساكتة، إذ لا نشوز، دون الثاني، إذ لا تمكين ولا وثوق بحصوله لو طلبه.»[2]

وجه التأييد أنّ العلامة في مقام توجيه عدم استحقاق الزوجة للنفقة على القول باشتراط التمكين فيها قال: إنّه في هذا الفرض، لا يتحقّق تمكين ولا يوجد اطمئنان بحصوله عند مطالبة الزوج؛ وهذا يشير إلی أنّه حتّى مع عدم صدور قول أو فعل يدلّ على تمكين الزوجة، فمتى وجد اطمئنان بعدم نشوزها وتمكينها عند مطالبة الزوج، كانت نفقتها واجبة عليه، وهو تعبير آخر عن اشتراط التمكين في مقام الإثبات.

الثالثة: قد وقع الخلاف بين الأصحاب في مسألة وجوب نفقة الزوجة الصغيرة على الزوج وعدمه.

قال الشيخ في المبسوط: «إذا كان الزوج كبيراً والزوجة صغيرة لا يجامع مثلها لصغرها، فلا نفقة لها، وقال آخرون: لها النفقة؛ والأوّل أصحّ عندنا.»[3]

ولکن قال ابن إدريس: «الأولى عندي أنّ‌ على الكبير النفقة لزوجته الصغيرة، لعموم وجوب النفقة على الزوجة ودخوله مع العلم بحالها، وهذه ليست ناشزة، والإجماع منعقد على وجوب نفقة الزوجات.»[4]

ويظهر من كلامه أنّ وجوب النفقة عنده مبنيّ على القول بكون النشوز مانعاً، لأنّه علّل وجوبها بأنّ الزوجة الصغيرة لا نشوز لها.

ولکن قد نسب صاحب الجواهر ـ بناءً على ما حكاه الأصحاب ـ إلى ابن إدريس أنّه يرى التمكين شرطاً في استحقاق النفقة، ولأجل ذلك قال في توجيه مدعاه: «ربما كان وجهه أنّه يخصّ اشتراطه في ذات التمكين، أي الكبيرة المطلوب منها ذلك، بخلاف محلّ الفرض التي تبقى على إطلاق ما دلّ على النفقة وأنّها لا تسقط إلا بالنشوز المعلوم عدمه هنا.»[5]

وأمّا استدلال القائلين بعدم وجوب نفقة الزوجة الصغيرة علی زوجها، فسنبحثه في الجلسة القادمة إن شاء الله.

 


logo