47/04/08
بسم الله الرحمن الرحیم
لزوم تصريح الزوجة لفظاً بالتمکين لوجوب النفقة/ النفقات/النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات/ لزوم تصريح الزوجة لفظاً بالتمکين لوجوب النفقة
قلنا في الجلسة السابقة: إنّ العلّامة وكاشف اللثام ذهبا إلى لزوم تصريح الزوجة لفظاً باستعدادها لتسليم نفسها للزوج للاستمتاع ليحكم بتحقّق تمكينها.
إلّا أنّ الشهيد الثاني قال: «إنّ الظاهر من كلام المصنّف وغيره ـ بل صرّح به بعضهم ـ أنّ التمكين لا يكفي حصوله بالفعل، بل لابدّ من لفظ يدلّ عليه من قبل المرأة، بأن تقول: «سلّمت نفسي إليك حيث شئت وأيّ زمان شئت» ونحو ذلك، فلو استمرّت ساكتة وإن مكّنته من نفسها بالفعل، لم يكف في وجوب النفقة؛ ولا يخلو ذلك من إشكال.»[1]
وقال صاحب جواهر بعد نقله کلام الشهيد ثانی ما لفظه: «بل واضح المنع، ضرورة عدم دليل عليه، وعدم توقّف صدق الطاعة والانقياد عرفاً عليه، وعرض نفسها عليه كلّ غدوة وعشيّة لا يقتضي ذلك قطعاً.»[2]
والحقّ في هذه المسألة مع صاحبي المسالك والجواهر، حيث إنّ مجرّد استعداد الزوجة وانقيادها يكفي في تحقّق التمكين. وأمّا ما ذكره كاشف اللثام فهو راجع إلى مقام الإثبات لا مقام الثبوت.
وعليه فإنّ استعداد الزوجة وانقيادها يكفي في تحقّق التمكين ثبوتاً. وأمّا في مقام الإثبات فيكفي كلّ ما يعدّ قرينة عرفاً على ذلك، من غير حاجة إلى تصريحها بلفظ يدلّ على استعدادها لاستمتاع الزوج بها.
ثمّ إنّه هل التمكين شرط في وجوب النفقة، أم أنّ النشوز هو المانع عنها؟
ذهب صاحب الجواهر إلى أنّ ظاهر كلمات الأصحاب عدم الإشكال في اعتبار التمكين لوجوب النفقة، وإنّما الكلام في أنّه هل يشترط ـ مضافاً إلى التمكين ـ شرط آخر في وجوبها أم لا؟[3]
وقد استند في ذلك إلى كلام الشهيد الثاني حيث قال: «لا ريب في أنّ للنفقة تعلّقاً بالعقد والتمكين جميعاً، فإنّها لا تجب قبل العقد، ولو نشزت بعد العقد لم تطالب بالنفقة. واختلف في أنّها بم تجب؟ فقيل: بالعقد كالمهر، لا بالتمكين... وقيل: لا تجب بالعقد مجرّداً، بل بالتمكين.»[4]
غير أنّ ما ادّعاه صاحب الجواهر غير قابل للالتزام؛ إذ لو لم يكن هناك إشكال في اعتبار التمكين في وجوب النفقة، لم يبق محلّ للبحث، لعدم وجود أمر آخر يحتمل دخالته في وجوبها غير التمكين.
وعليه فالتوجيه الصحيح لكلمات الأصحاب أنّ ما اعتبروه مفروغاً عنه من التمكين إنّما يرجع إلى مقام الثبوت؛ إذ حيث إنّ التمكين والنشوز ضدّان لا ثالث لهما، فوجود أحدهما ملازم لعدم الآخر، فلا فرق في مقام الثبوت بين القول باشتراط التمكين في وجوب النفقة أو القول بمانعيّة النشوز عنها. وأمّا في مقام الإثبات فهناك فرق بين المبنيين، لأنّ إثبات انتفاء أحدهما بالأصل لا يستلزم إثبات وجود الآخر إلّا على نحو مثبت.
وممّا يؤيّد ما ذكرناه أنّ الشهيد الثاني في عبارته المتقدّمة لم يقل: «لا ريب في اعتبار التمكين في النفقة»، بل قال: «لا ريب في أنّ للنفقة تعلّقاً بالعقد والتمكين جميعاً»، ومن الواضح أنّ التعبير بـ «التعلّق» بدلاً من الشرطيّة أو الاعتبار يدلّ على أنّ مدخليّة التمكين ثبوتاً في وجوب النفقة أعمّ من أن يجعل شرطاً لوجوبها إثباتاً أو يجعل النشوز مانعاً عنها.
وعليه فمحلّ البحث في هذا المقام هو أنّ ما يكون في مقام الإثبات سبباً لوجوب نفقة الزوجة على الزوج هل هو مجرّد العقد بحيث يجب على الزوج الإنفاق ما لم يثبت نشوز الزوجة، أم أنّه لابدّ بعد العقد من إثبات تمكين الزوجة للزوج ليجب عليه الإنفاق؟
وسنبحث هذه المسألة في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.