47/04/07
بسم الله الرحمن الرحیم
مانعية النشوز في عدم استحقاق الزوجة للنفقة/النفقات/النکاح
الموضوع: النکاح/النفقات/مانعية النشوز في عدم استحقاق الزوجة للنفقة
قلنا في الجلسة السابقة إنّ النشوز مانع من استحقاق الزوجة للنفقة وذكرنا الدليل على ذلك.
غير أنّه قد يستدلّ لإثبات هذا الحكم بكون حقوق الزوجين متقابلة؛ بمعنى أنّ حقّ كلّ واحد منهما على الآخر في مقابل الحقّ الذي لذلك الآخر عليه. وبناءً على ذلك فإذا امتنع أحدهما من أداء حقّ صاحبه، جاز للآخر أيضاً الامتناع عن أداء حقّه.
إلّا أنّه قد مرّ سابقاً وفي مبحث جواز امتناع الزوجة عن التمكين الخاصّ مادامت لم تستوفِ مهرها كاملاً أنّ الاستناد إلى هذا الوجه لإثبات جواز الامتناع عن أداء الحقّ غير سليم؛ لأنّ للزوجين حقوقاً متعدّدة على بعضهما، ولا يوجد معيار واضح يحدّد أيّ حقّ منها يقابل أيّ حقّ للطرف الآخر بحيث يمكن الحكم بمقتضاه أنّه إذا امتنع أحدهما من أداء حقّ، جاز للآخر الامتناع عن أداء الحقّ المقابل له.
ثمّ إنّه هل يتحقّق النشوز بمجرّد امتناع الزوجة عن أيّ نوع من التمكين؟
قال العلّامة في القواعد: «إنّما تجب النفقة بالعقد الدائم مع التمكين التامّ، ولا تجب بالمتعة، ولا لغير الممكّنة من نفسها كلّ وقت في أيّ موضع أراد؛ فلو مكّنت قبلاً ومنعت غيره سقطت نفقتها. وكذا لو مكّنته ليلاً أو نهاراً أو في مكان دون آخر ممّا يجوز فيه الاستمتاع.»[1]
وقال الشهيد الثاني: «المراد تخلية الزوجة بين نفسها وبين الزوج بحيث لا تخصّ بالتخلية موضعاً ـ كبيتها وبلدها ـ دون آخر، بل في كلّ مكان أراده الزوج ممّا يصلح للاستمتاع بحسب حالها، وكذلك الزمان. ويمكن أن يريد بالمكان ما يعمّ البدن كالقبل وغيره ممّا يسوغ فيه الاستمتاع. وكلاهما معتبر في التمكين وإن كان الأوّل أظهر في المراد.»[2]
أقول: إنّ النشوز أمر عرفيّ، ولا يكفي لتحقّقه مجرّد الامتناع عن تسليم النفس ولو مدّة يسيرة؛ فمثلاً لو امتنعت الزوجة ـ من شدّة الغضب والانزعاج ـ عن تسليم نفسها للزوج ثمّ بعد مدّة قصيرة سلّمت نفسها له، لا يمكن ادّعاء تحقّق النشوز، بل تحقّقه عرفاً موقوف على استمرار هذا الفعل مدّة يراها العرف موجبة لصدق النشوز، وإن كان مجرّد الامتناع عن تسليم النفس للزوج محرّماً على الزوجة.
وكذلك لو أنّ الزوجة مكّنت الزوج في جميع أنحاء الاستمتاع غير أنّها امتنعت عن بعض الأُمور الفرعيّة والجزئيّة التي طلبها الزوج حال الاستمتاع، فإنّ العرف لا يعدّها ناشزة في هذه الصورة، والحكم بسقوط نفقتها لأجل ذلك غير قابل للالتزام.
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ العلاقة بين التمكين والنشوز هي علاقة الضدّين لا ثالث لهما، فإذا امتنعت الزوجة عن تسليم نفسها للزوج لم يصدق أنّها مكّنت، فلا محالة تُعدّ ناشزة.
لكن على فرض التسليم بذلك، لا دليل بأيدينا يثبت أنّ مجرّد تحقّق مسمّى النشوز سبب في سقوط نفقة الزوجة، بل الوارد في معتبرة السكوني أنّ نفقة الزوجة تسقط بخروجها من بيت زوجها بغير إذنه، ومن الواضح أنّ الخروج يمنع الزوج من أيّ نوع من الاستمتا
وعليه فإمّا أن يلتزم بعدم سقوط نفقة الزوجة في الموارد المتقدّمة، وإمّا أن يقال: إذا كان نشوز الزوجة بحيث يسلب الزوج إمکان جميع الاستمتاعات، سقطت نفقتها بالمرّة، وأمّا إذا لم يكن كذلك بل منعت الزوج من بعض الاستمتاعات، فإنّ نفقتها تسقط بنسبة ذلك المقدار فقط.
فلذا قال صاحب الجواهر في هذا الخصوص: «قد تقدّم قوّة سقوط نفقتها أجمع بذلك، واحتمال التبعيض وعدم السقوط.»[3]
والمسألة محلّ تأمّل علی کلّ حال.
وأمّا المسألة اللاحقة فهي أنّه هل يشترط لصدق التمكين أن تظهر الزوجة استعدادها له بلسانها؟
قال العلامة في التحرير: «إن كانا بالغين ومكّنت بأن تقول: «قد سلّمت نفسي إليك في أيّ مكان شئت»، وجبت لها النفقة.»[4]
وقال کاشف اللثام في توجيه ذلك: «إذ لا يتحقّق بدونه، إلاّ أن يكتفی بالتمكين مرّة مع الوثوق بالاستمرار عليه، أو بالوثوق وإن لم يحصل التمكين وإن بعد الفرض.»[5]
غير أنّ الشهيد الثاني وصاحب الجواهر قد أشكلا على هذا المطلب وسنذكر مدّعاهما في الجلسة الآتية إن شاء الله تعالى.