47/04/01
بسم الله الرحمن الرحیم
أسباب وجوب النفقة - الزوجيّة/ النفقات/نکاح
الموضوع: نکاح/ النفقات/ أسباب وجوب النفقة - الزوجيّة
بعد الفراغ عن بيان أسباب وجوب النفقة ـ كما تقدّم في الجلسة السابقة ـ ننتقل إلى البحث عن دليل وجوبها بكلّ واحد من تلك الأسباب.
أ ـ الزوجيّة
قد استدلّ على وجوب نفقة الزوجة ببعض الآيات على النحو الآتي:
1 ـ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكـَتْ أَيْمَانُكـُمْ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾[1] .
قال الفخر الرازي في تفسير الآية الشريفة: «المسألة الثانية: في تفسير ﴿أَلَّا تَعُولُوا﴾ وجوه:
الأوّل: معناه: لا تجوروا ولا تميلوا، وهذا هو المختار عند أكثر المفسرين...
الوجه الثاني: قال بعضهم: المراد أن لا تفتقروا، يقال: رجل عائل أي فقير، وذلك لأنّه إذا قلّ عياله قلّت نفقاته، وإذا قلّت نفقاته لم يفتقر.
الوجه الثالث: نقل عن الشافعي... أنّه قال: ﴿ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ معناه: ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم...»[2]
ومن المعلوم أنّ استفادة وجوب النفقة من الآية الشريفة مبنيّة على المعنى الثاني.
إلّا أنّ الشيخ صرّح في التبيان بأنّ هذا المعنى غير صحيح؛ لأنّ اللفظ إذا كان موضوعاً لمثل هذا المعنى، فمضارعه يكون «يُعيل» لا «يَعول».[3]
وممّا يؤيّد كلامه ما ذكره الخليل في العين: «عال الرجل يعيل عيلة إذا احتاج.»[4]
نعم، قال الجوهري في الصحاح: «عال عياله يعولهم عولاً وعيالة، أي: قاتهم وأنفق عليهم.»[5]
ولكن أوّلاً: إنّ هذا المعنى لا ارتباط له بمعنى «الافتقار»، بل هو معنىً آخر.
وثانياً: على أساسه نحتاج إلى تقدير معلول في الجملة، وهو خلاف الأصل.
نعم، قد نقل ابن منظور عن الكسائي أنّه قال: «عال الرجلُ يعول إذا افتقر»، ثمّ قال: «الكسائي: عال الرجل يعول، إذا افتقر، قال: ومن العرب الفصحاء من يقول: عال يعول إذا كثُر عياله.»[6]
وعلى هذا الأساس يكون لحمل الآية على المعنى الثاني والثالث وجه أيضاً.
وقد ورد في تفسير القمي في تفسير الآيه: «أي: لا تتزوّجوا ما لا تقدرون أن تعولوا.»[7]
وأمّا ما يمكن أن يورد على الاستدلال بالآية الشريفة فهو أوّلاً: أنّ المعنى الثاني والثالث خلاف ظاهرها؛ إذ الظاهر الموافق لما ذكر في صدرها بعنوان علّة الحكم ـ وهو الخوف من عدم رعاية العدل ـ إنّما هو المعنى الأوّل.
وثانياً: مع التنزّل عن ذلك أيضاً لا يصحّ حمل الآية على المعنى الثاني، بل غايته أن يجعل أحد محتملاتها، وحينئذٍ تكون الآية مجملة، فلا يصحّ التمسّك بها.
وثالثاً: على فرض تسليم دلالة الآية على المعنى الثاني أيضاً فالمطلوب للمستدلّ لا يستفاد منها، إذ ليست الآية ـ بناءً على هذا المعنى ـ في مقام تشريع وجوب النفقة، وإنّما غايتها الإرشاد إلى أنّه إذا اقتصرتم على نكاح أقلّ لم تصابوا بالفقر؛ وهذا لا يلازم الوجوب الشرعي للنفقة، بل يمكن أن يكون المراد أنّه لمّا كان من عادتكم دفع نفقة الزوجة، فلكي لا تقعوا في الفقر فاختاروا أقلّ من النساء. ونظيره ما لو قيل: «إذا أقمتَ وليمةً واحدة للزواج من عدّة نساء، كانت نفقاتك أقلّ»؛ فإنّ مثل هذا لا يدلّ على وجوب الوليمة أو وجوب تحمّل الزوج نفقاتها شرعاً، بل هو مجرّد إرشاد مبنيّ على ما جرت به العادة من إقامة الوليمة وتحمّل الزوج لمصاريفها.
نعم، نظراً إلى بعض الأخبار الواردة في تفسير الآية الشريفة، يمكن الادّعاء بدلالة صدرها على وجوب النفقة.
منها: حسنة نوح بن شعيب ومحمّد بن الحسن، قال: «سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له: أليس الله حكيماً؟ قال: بلى، وهو أحكم الحاكمين. قال: فأخبرني عن قوله عزّ وجلّ: ﴿فَانْكـِحُوا مَا طَابَ لَكـُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾، أليس هذا فرضاً؟ قال: بلى. قال: فأخبرني عن قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾[8] أيّ حكيم يتكلّم بهذا؟ فلم يكن عنده جواب. فرحل إلى المدينة إلى أبي عبدالله(ع)، فقال: يا هشام! في غير وقت حجّ ولا عمرة؟ قال: نعم، جعلت فداك! لأمر أهمّني. إنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء. قال: وما هي؟ قال: فأخبره بالقصّة فقال له أبو عبدالله(ع): أمّا قوله عزّ وجلّ: ﴿فَانْكـِحُوا مَا طَابَ لَكـُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ يعني في النفقة، وأمّا قوله: ﴿و َلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ يعني في المودّة. قال: فلمّا قدم عليه هشام بهذا الجواب وأخبره قال: والله ما هذا من عندك.»[9] [10]
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ وجوب رعاية العدل في إعطاء النفقة لا يلازم وجوب أصل إعطائها، بل لعلّ المراد أنّه إذا دفعت النفقة وجب أن يكون دفعها مع مراعاة العدل؛ نظير ما ذكره المشهور في باب القسم ـ وإن كنّا قد ناقشنا فيه ـ من أنّ المبيت عند الزوجات ليس واجباً ابتدائاً وإنّما يجب فيه رعاية العدل إذا أراد الزوج المبيت عندهنّ.
2 ـ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[11] .
ولكن تقدّم سابقاً أنّ هذه الآية الشريفة لا تعلّق لها بنفقة الزوجات، بل هي ناظرة إلى نفقة الوالدات المرضعات لأولادهنّ حيث يجب على آباء الأولاد دفعها إليهنّ أيّام الإرضاع، فلا دلالة فيها على وجوب نفقة الزوجة بما هي زوجة على الزوج. هذا مضافاً إلى أنّ دلالتها مخصوصة بوجوب الطعام والكسوة ولا تشمل سائر الموارد كالسكنى.