46/11/26
بسم الله الرحمن الرحیم
أحقيّة الأقرباء لحضانة الطفل – تعيين واحد من الأقرباء/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/أحقيّة الأقرباء لحضانة الطفل – تعيين واحد من الأقرباء
قد طرح في الجلسة السابقة دلالة الآية الشريفة على أولويّة أُولي الأرحام ـ على نحو الإجمال ـ على غير ذوي الرحم في حضانة الولد عند فقد الوالدين.
ويمكن استفادة أصل أولويّة الأقارب من بعض الأخبار المتقدّمة أيضاً، کموثّقة داود بن الحصين: «فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة»[1] [2] فإنّها تدلّ على ثبوت حقّ للعصبة في حضانة الولد إجمالاً.
وكذلك الخبر الوارد في قضيّة حضانة بنت حمزة، حيث قرّر النبيّ الأكرم(ص) قاعدة عامّة بقوله: «الخالة والدة»[3] [4] ويمكن الاعتماد عليه مؤيّداً لأرجحيّة الأقارب على غيرهم في حضانة الولد.
هذا مضافاً إلى أنّ الاعتبار العرفي يؤيّد ذلك أيضاً، فإنّ العرف يقدّم الحاضن من أقارب الطفل على غيره عند تساوي الخصوصيّات.
وعليه يمكن الالتزام في محلّ البحث بأنّ أقارب الولد أحقّ بحضانته في صورة فقد الوالدين، إلّا أنّه لا دليل على أنّ ترتيبهم في الأحقّيّة على نحو ترتيبهم في الإرث.
کما لا يمكن تقديم العصبة على قرابة الأُمّ استناداً إلى موثّقة داود بن الحصين، لأنّ موردها فرض وجود الأُمّ، ومن البديهي أنّه مع وجودها لا يأتي دور قرابتها، بل إنّ الشكّ في هذا الفرض هو في تقدّم العصبة على الأُمّ نفسها، ولذلك نصّت الرواية على تقدّم حضانة الأُمّ على خصوص العصبة، وهذا لا ينافي أنّه إن فقدت الأُمّ أيضاً، كانت قرابة الأب والأُمّ في مرتبة واحدة.
كذلك لا يمكن إثبات تقدّم الخالة على سائر الأقارب مطلقاً بالاستناد إلى خبر الأمالي، وذلك أوّلاً: لضعف سنده، وثانياً: لعدم إحراز إطلاق كلام النبيّ الأكرم(ص) الوارد فيه، إذ من المحتمل أن يكون ذلك الحكم ناظراً إلى خصوص مورد افتقاد قرابة أقرب من الخالة بلحاظ كون الكلام وارداً في بنت حمزة.
وعليه، فإنّ تعيين المتقدّم في الحضانة من الأقارب يتوقّف على ملاحظة خصوصيّات المورد، بمعنى أنّ الأولى هو من يراه العرف في المورد أولى بحضانة الولد، وربّما تكون القرابة البعيدة ـ لما تمتاز به من توفّر الخصائص المناسبة أو لوجود رابطة المودّة والصلة بأُسرة الولد ـ أرجح عرفاً من القرابة القريبة التي تفتقد العلاقة أو لا تتوفّر فيها الخصائص اللازمة لتحمّل مسؤوليّة الحضانة.
وأمّا الوظيفة الملقاة على عاتق الجدّ من الأب أو الوصيّ بوصفه وليّاً على الصغير أو الصغيرة، فهي تشخيص وتعيين الجهة التي تتحقّق عندها مصلحة الولد من بين الأقارب من حيث كون الحضانة لديهم أرجح لمصلحته. بل قد يرى الوليّ أنّ أحداً من الأقارب لا يملك الكفاءة أو الصلاحيّة الكافية لتولّي حضانته، فيتعيّن حينئذٍ إيكال أمر الحضانة إلى غير الأقارب.
قال المحقّق الحلّي: «فروع أربعة على هذا القول:
الأوّل: قال الشيخ رحمه الله إذا اجتمعت أُخت لأب وأُخت لأُمّ، كانت الحضانة للأُخت من الأب نظراً إلى كثرة النصيب في الإرث؛ والإشكال في أصل الاستحقاق، وفي الترجيح تردّد ومنشؤه تساويهما في الدرجة. وكذا قال رحمه الله في أُمّ الأُمّ مع أُمّ الأب.
الثاني: قال رحمه الله في جدّة وأخوات: الجدّة أولى لأنّها أُمّ.
الثالث: قال: إذا اجتمعت عمّة وخالة فهما سواء.
الرابع: قال: إذا حصل جماعة متساوون في الدرجة كالعمّة والخالة، أُقرع بينهم.»[5]
إنّ الفروع الأربعة التي نقلها المحقّق عن الشيخ الطوسي ـ والتي تقدّم ذكرها في ضمن بيان دعوى الشيخ في المبسوط ـ كلّها مبنيّة على اعتبار الأولوية بين الأقارب في الحضانة على نحو أولوّيتهم في الإرث، وهو ما بيّنّا أنّه لا دليل عليه، ولذا توقّف المحقّق في المسألة کما مرّ سابقاً.
غير أنّه حتّى مع التسليم باعتبار الأولويّة في الحضانة على نحو الأولويّة في الإرث، فإنّ إشكال المحقّق على الشيخ في تقديم أُخت الأب على أُخت الأُمّ يبقى إشكالاً وجيهاً، إذ لا دليل على يتقديم من يكون نصيبه من الإرث أكثر في الحضانة فيما إذا كان الشخصان في طبقة واحدة من طبقات الإرث؛ فمثلاً لا وجه لتقديم الأخ على الأُخت في الحضانة لمجرّد أنّه يرث ضعف ما ترث، لعدم وجود ملازمة بين مقدار سهم الإرث ودرجة الأولويّة.
نعم، الظاهر أنّ الذي نسبه المحقّق إلى الشيخ من تقدّم الجدّة على الأُخت ناظر إلى الجدّة من الأُمّ، إذ تقدّم عن الشيخ أنّه قال: «من هو أولى بعد أُمّهات الأُمّ؟ الأخوات أو الجدّات؟ فعندي أنّهما سواء ويقرع بينهما.»[6]
ولكن إذا اعتمد في تقديم الجدّة من الأُمّ على سائر الأقارب على أساس صدق عنوان «الأمّ» عليها، لزم من ذلك تقديم الجدّ من الأب أيضاً على غيره باعتبار صدق عنوان «الأب» عليه. بل يمكن القول بأنّ صدق عنوان «الأُمّ» لا يختصّ بالجدّة من الأُمّ، بل يشمل الجدّة من الأب أيضاً، كما أنّ عنوان «الأب» يصدق على الجدّ من الأب كصدقه على الجدّ من الأُمّ.
إلّا أنّه لا وجه لترجيح الجدّ أو الجدّة ـ سواء من الأب أو الأم ـ في الحضانة على سائر الأقارب لمجرّد الجهة المتقدّمة، إلّا إذا كان العرف يرى تقديمهما واعتبرهما أولى من غيرهما من الأقارب؛ وذلك لأنّ ما ورد في الأخبار من تقديم الأُمّ على الأب أو العكس، ظاهر في الأبوين المباشرين، لا من يصدق عليهما عنوان الأب أو الأُمّ من جهة العموم اللغوي. وعليه فمع التسليم بصدق عنوان الأب والأُمّ على الجدّ والجدّة من الناحية اللغويّة إلّا أنّ القرائن الموجودة في أخبار الباب تقيّد مدلولها بالأب والأُمّ المباشرين ولا تشمل غيرهما.
وبذلك ينتهي بحث الحضانة.
وقد ذكر المحقّق الحلّي بعد ذلك ثلاث مسائل أوردها بعنوان لواحق للبحث، غير أنّا لا نعرض لها لكون أحكامها قد تقدّمت ضمن الأبحاث السابقة.