« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

أقوال الفقهاء في مراتب حقّ الحضانة/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/أقوال الفقهاء في مراتب حقّ الحضانة

 

تقدّم في الجلسة السابقة ذکر كلمات الشيخ الطوسي في مراتب الحضانة.

وقال ابن الجنيد: «قرابة الأُمّ أحقّ‌ بالأُنثى من قرابة الأب، لحكم النبي(ص) بابنة حمزة لخالتها دون أمير المؤمنين(ع) وجعفر وقد طالبا بها.»[1]

كما قال المفيد : «إن مات الأب قامت أُمّه مقامه في كفالة الولد. فإن لم يكن له أُمّ وكان له أب، قام مقامه في ذلك. فإن لم يكن له أب ولا أُمّ، كانت الأُمّ التي هي الجدّة أحقّ به من البعداء.»[2] والظاهر أنّ مراده من الجدّة هي جدّة الولد من أُمّه كما قال صاحب الجواهر[3]

ويقول ابن حمزة: «إن لم يكن له أحد الأبوين، لم يخلُ حال قرابته من ثلاثة أحوال: إمّا كانت رجالاً بلا نساء، أو نساءً بلا رجال، أو رجالاً ونساءً.

فإن كانت رجالاً فأولاهم به أحقّهم بميراثه، وإن كانت نساءً فكذلك، وإن كانت رجالاً ونساءً فالنساء أولى إذا كانت أقرب من الرجال أو كانت في درجتهم.»[4]

وقال العلامة في الإرشاد: «لو عدم الأبوان فللأجداد، فإن عدموا فأقرب النسب كالإرث، ولو تعدّدوا أُقرع.»[5]

وقال الشهيد الثاني في المسالك: «اعلم أنّه لا نصّ‌ في مستحقّ‌ الحضانة على الخصوص سوى الأبوين دون من عداهما من بقيّة الأجداد والجدّات والأقارب، فلذلك اختلف الأصحاب في حكمهم اختلافاً كثيراً، فمنهم من عدّى الحكم [منهما] إلى باقي الأقارب والأرحام على ترتيب الإرث، لعموم قوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحٰامِ‌ بَعْضُهُمْ‌ أَوْلىٰ‌ بِبَعْضٍ‌ فِی كِتٰابِ‌ اللّهِ﴾[6] فإنّ الأولويّة تشمل الإرث والحضانة وغيرهما. ولأنّ الولد مضطرّ إلى التربية والحضانة، فلابدّ في الحكمة من نصب قيّم بها، والقريب أولى بها من البعيد.

وعلى هذا فمع فقد الأبوين ينظر في الموجود من الأقارب، ويقدّر لو كان وارثاً ويحكم له بحقّ‌ الحضانة. ثمّ‌ إن اتّحد اختصّ، وإن تعدّد أُقرع بينهم، لما في اشتراكها من الإضرار بالولد.

وهذا القول هو المعتمد.»[7]

غير أنّ ابن إدريس أشكل على الترتيب الذي عدّه الشيخ في الخلاف لحقّ الحضانة فقال: «هو من تخريجات المخالفين ومعظمه قول الشافعي، وبناؤهم على القول بالعصبة، وذلك عندنا باطل.

ولا حضانة عندنا إلا للأُمّ نفسها وللأب، فأمّا غيرهما فليس لأحد ولاية عليه سوى الجد من قبل الأب خاصّة.»[8]

وقال السيّد العاملي تأييداً لدعوى ابن إدريس: «يظهر من المصنّف في الشرائع الميل إلى هذا القول، ولا يخفى وجاهته.

وإنّما قلنا بثبوت الولاية للجدّ من قبل الأب لأنّ‌ له ولاية المال والنكاح، فيكون له ولاية التربية بطريق أولى، وإنّما كانت الأُمّ أولى منه بالنصّ، فمع عدمها وعدم من هو أولى منه، ثبتت له الولاية.

وعلى هذا فلو فقد الأبوان والجدّ، فإن كان للولد مال، استأجر الحاكم عليه من يربّيه من ماله، وإن لم يكن له مال، كان حكم تربيته حكم الإنفاق عليه، فيجب على المؤمنين كفائة.»[9]

وقد أيّد صاحب الحدائق هذا القول. [10]

إلا أنّ العلامة قال في جواب ابن إدريس: «هذا القول جهل منه وقلّة تأمّل لفتاوی الأصحاب...

وبالجملة فالحاجة ماسّة إلى تربيته وحضانته، فلو لم يكن القريب أولى بكفالته لزم تضييعه، وولاية الجدّ للأب في المال لا تستلزم أولويّته في الحضانة، فإنّه لو اعتبر ولاية المال كان الأب أحقّ‌ من الأُمّ، والجدّ مع عدم الأب أولى منها، وليس كذلك بالإجماع.»[11]

ولكنّه خالف في القواعد قوله في المختلف فقال: «لو فقد الأبوان فالجدّ للأب أولى، فإن فقد فالأقارب على مراتب الإرث.»[12]

وقال صاحب الجواهر: «والذي يقوى في النظر كونها للجدّ من قبل الأب بعد فقد الأبوين، ثمّ للوصيّ المتأخّر موته منهما، ثمّ للأرحام على مراتبهم في الإرث، ثمّ للحاكم، ثمّ للمسلمين كفاية.»[13]

كما أنّ السيّد الخوئيّ[14] والسيّد السيستانيّ[15] قالا ـ كصاحب الجواهر ـ بثبوت الحضانة للجدّ من الأب ثمّ لوصيّ الأب أو الجدّ للأب، ولكنّهما أشكلا على ثبوت الحضانة للأقارب في صورة فقدان الجدّ من الأب والوصيّ.

أقول: إنّ دراسة هذه المسألة تتطلّب أوّلاً الالتفات إلى أنّ البحث في المقام ليس في أنّ أيّاً من أقارب الولد مكلّف بحضانته في صورة فقدان أبويه، إذ لا دليل على ذلك، بل إذا مات الأبوان فلا يتوجّه إلى الأقارب بخصوصهم تكليف بحضانة الولد. وإنّما النزاع في تعيين من هو أولی بحضانة الولد من أقاربه؟ بمعنى أنّهم إذا تنازعوا على حضانة الولد، فأيّهم يقّدم في ذلك؟ أو حتّى إذا لم يتنازعوا وأراد أحدهم فقط الحضانة، فهل ينبغي على الوليّ القهري للولد أو على الحاكم الشرعي إعطاء الطفل له؟

وسندرس إتمام المطلب في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[15] ـ منهاج الصاحين آيت الله سيستانی، ج3، ص121، مسألة 406.
logo