« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الأقوال فيانتقال الأب أو الأُمّ/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/الأقوال في انتقال الأب أو الأُمّ

 

يتابع وهبة الزحيلي قوله: «وذهب الشافعيّة إلى أنّه إن كان السفر من أحد الزوجين المفترقين بالطلاق سفر حاجة كتجارة وحجّ، كان الولد المميّز وغيره مع المقيم حتّى يعود. وإن كان السفر من أحد الزوجين سفر نُقلة، كان الأب أولى من الأُمّ بالحضانة بشرط أمن الطريق وأمن البلد المقصود بالسفر، حفظاً للنسب، فإنّه يحفظه الآباء، أو رعاية لمصلحة التأديب والتعليم وسهولة الإنفاق. فإن كان السفر مخوفاً، أو البلد الذي يسافر إليه مخوفاً، فالمقيم أحقّ بالحضانة للولد.

وقرّر الحنابلة أنّه متى أراد أحد الأبوين الانتقال بالمحضون إلى بلد آمن مسافة القصر فأكثر ليسكنه، فتسقط حضانة الحاضنة ويكون الأب أحقّ ما لم يرد بنقلته مضارتها، فإن أراد بنقلته مضارّة الأُمّ، لم يسقط حقّها في الحضانة...

رأى الحنفية أنّه ليس للأب أو الولي مطلقاً إخراج المحضون من بلد أُمّه بلا رضاها ما بقيت حضانتها، فلو انتقل إلى بلد آخر غير بلد الحاضنة فليس له أخذ الولد معه مادامت حضانتها قائمة، ولا يسقط حقّها في الحضانة بانتقاله، سواء أكان البلد قريباً أم بعيداً، وسواء أكان السفر بقصد الإقامة أم التجارة أم الزيارة، لأنّ الحضانة حقّ الحاضنة ولا يملك الولي إسقاط هذا الحقّ.

وسوّى المالكيّة بين الحاضنة والولي في إسقاط حضانتها إذا سافر أحدهما إلى بلد آخر مسافة ستّة بُرُد فأكثر بقصد الإقامة، فإذا سافر الولي ـ سواء أكان ولي مال كالأب والوصي أم ولي عصوبة كالعمّ على المحضون ولو رضيعاً ـ سفراً بقصد التوطّن والإقامة لمسافة تبعد عن بلد الحاضنة ستّة برد فأكثر، كان له أخذ الولد من حاضنته، بشرط أمن الطريق وأمن المكان المقصود، ويسقط حقّها في الحضانة، إلا إذا سافرت مع الولي، فلا تسقط حينئذٍ حضانتها بانتقاله...

وفرّق الشافعيّة بين سفر الحاجة وبين سفر النقلة، فإن أراد الولي أو الحاضنة سفر حاجة، كان الولد المميّز وغيره مع المقيم حتّى يعود المسافر منهما، لما في السفر من الخطر والضرر. وإن أراد أحدهما سفر نُقلة، فالأب أولى، بشرط أمن طريقه وأمن البلد المقصود له كما قرّر المالكيّة. وإن يكن هناك أمن، فيقرّ عند أُمّه، وليس لوليّه أن يخرجه إلى دار الحرب.

والحنابلة كالشافعيّة...

والخلاصة: أنّ سفر الولي لا يسقط حقّ الحضانة للحاضنة في رأي الحنفيّة، ويسقطها في رأي الجمهور.»[1]

وذهب الشيخ الطوسي أيضاً إلی اشتراط عدم انتقال الأُمّ أو الأب في بقاء حضانة الأُمّ فقال: «إن كان أحدهما مقيماً والآخر منتقلاً، فلا يخلو المسافة من أحد أمرين: إمّا أن يقصّر فيها الصلاة أو لا يقصّر، فإن لم يقصّر، فالحكم فيها كالإقامة، وإن كان يقصّر فيها فالأب أحقّ به بكلّ حال.»[2]

لكن صاحب الحدائق أشكل على هذا الشرط وقال: «الظاهر أنّ جميع هذه التفريعات والتعليلات كلّها من كلام العامّة كما عرفت في غير موضع من الكتب السابقة، جرى عليها الشيخ في المبسوط وتبعه غيره.

ولا يخفى ما في بناء الأحكام الشرعيّة عليها من المجازفة في أحكامه سبحانه المبنيّة على النصوص الواضحة من الكتاب والسنّة كما استفاضت به أخبارهم(ع).»[3]

وأورد صاحب الجواهر أيضاً إشكالاً على كلام الشيخ فقال: «الجميع كما ترى تهجّس لا يجوز الخروج به عن إطلاق الأدلّة.

ومن الغريب ذكرهم جملة من الأُمور هنا بعنوان الشرطيّة لاستحقاق الحضانة ولم يذكروا شيئاً منها في أحقّيّة الرضاع مع اتّحاد الوجه فيهما، فتأمل.»[4]

والحقّ في المسألة أنّها من توابع ما تقدّم من أنّ حقّ حضانة الأُمّ لا ينافي إعمال الوليّ الشرعي ولايته على الصغير، فللوليّ أن يبدي رأيه في كيفيّة القيام بالحضانة. وعليه فإذا كان انتقال الأُمّ إلى مكان آخر واصطحابها للصغير منافياً لمصلحته، فللوليّ أن يمنع من ذلك وأن يطلب منها أن تتولّى حضانته في نفس المكان، وإلّا فإنّ مجرّد انتقال الأُمّ أو الأب لا يسقط حقّ حضانتها.

ويتّضح بذلك أنّ كثيراً من التفصيلات التي ذكرت في المسألة ـ من قبيل خصوصيّة المكان الذي تنتقل إليه الأُمّ، أو مقدار المسافة بينه وبين بلد الوليّ، أو نوعية السفر ـ ليست مؤثّرة في حدّ ذاتها في حكم الحضانة، بل المدار كلّه على مراعاة الوليّ مصلحة الصغير.

وأمّا ما أورده صاحب الحدائق وصاحب الجواهر من أنّ هذا الشرط غير مذكور في الأخبار وأنّ إطلاق النصوص ينفي اعتباره، فجوابه أنّ الأخبار لا تشتمل على إطلاق ينفي ما تقدّم، إذ نصوص الحضانة إنّما هي في مقام إثبات أصل الحقّ للأُمّ أو الأب، لا في مقام بيان تفاصيل إعمال ولاية الوليّ في الحضانة وحدودها.


logo