46/11/13
بسم الله الرحمن الرحیم
الأُمّ المصابة بمرض مزمن - فسق الأُمّ/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ الأُمّ المصابة بمرض مزمن - فسق الأُمّ
يعلم ـ بالنظر إلى ما تقدّم ـ وجه ما ذكره الشهيد الثاني في حكم الأُمّ المصابة بمرض مزمن، فإنّ المريض يختلف عن المجنون في كونه قادراً على الإشراف على حضانة الطفل واستئجار من يتولّى الأعمال اللازمة تحت مراقبته. وقد تقدّم أنّ المراد بالمباشرة في الحضانة ليس أن يباشر الحاضن بنفسه جميع شؤون الحضانة، بل يكفي قيام تلك الأعمال تحت إشرافه ورقابته.
وأمّا المجنون، فإنّه غير قادر على مثل هذا الإشراف، فلا يمكن اعتباره مستحقّاً لحقّ الحضانة.
نعم، قال الشهيد الأوّل في القواعد : «لو كان بها جذام أو برص وخيف العدوى، أمكن كون الأب أولى، لقوله(ص): «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد»[1] وقوله(ص): «لا يورد ممرض على مصحّ»[2] .
ويحتمل بقاء حضانتها، لقوله(ص): «لا عدوى ولا طيرة»[3] .
ووجه الجمع بين الأخبار الحمل على أنّ ذلك لا يحصل بالطبع، كاعتقاد المعطّلة والجاهليّة، وإن جاز أنّ الله تعالى يخلق ذلك المرض عند المخالطة.»[4]
لكن صاحب الجواهر أشكل على هذه الدعوى فقال: هذا الادّعاء مخالف لإطلاق الأدلّة. على أنّ للحاضن أن يتولّى حضانة الولد باستخدام شخص سليم يباشر شؤونه بحيث لا يهدّده خطر العدوى.[5]
أمّا إشكاله الأوّل فجوابه واضح، فإنّ الأدلّة لا إطلاق لها يشمل ما إذا كانت حضانة الحاضن موجبة لتعرّض المحضون لضرر أو خطر، كما تقدّم بيانه.
وأمّا إشكاله الثاني فهو في محلّه، ويمكن تقييد ما ذكره الشهيد الأوّل بما إذا لم يمكن دفع خطر العدوى بحيث يأمن الولد، فلا يسقط حقّ الحضانة مع إمكان دفع الضرر.
المورد الخامس: فسق الأُمّ
هذا الشرط لا يختصّ بالأُمّ، بل يجري في الأب أيضاً، ولذلك قال الشيخ في المبسوط: «إن كان أحدهما عدلاً والآخر فاسقاً، فالعدل أحقّ به بكلّ حال، لأنّ الفاسق ربما فتنه عن دينه.»[6]
والعلامة وإن عدّ الفسق في التحرير موجباً لسقوط حقّ حضانة الأب[7] إلّا أنّه أنكر في القواعد اعتبار العدالة في حضانة الأُمّ.[8]
غير أنّ الشهيد الأوّل في القواعد عبّر عن هذا الشرط بكون الأُمّ مأمونة، وذهب إلى اعتباره في حقّ حضانتها.[9]
وتبعه الشهيد الثاني في ذلك فقال في بيان وجه اعتبار كون الأُمّ مأمونة وثبوت هذا الشرط في حضانتها وفرق ذلك عن اشتراط عدالتها: «خامسها: أن تكون أمينة. فلا حضانة للفاسقة، لأنّ الفاسق لا يلي. ولأنّها لا تؤمن أن تخون في حفظه. ولأنّه لا حظّ له في حضانتها، لأنّه ينشأ على طريقتها، فنفس الولد كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته.
وهذا الشرط لم يذكره المصنّف... ويمكن الجمع بين عدم اشتراط العدالة مع اشتراط عدم الفسق لثبوت الواسطة عند الأكثر، ويجعل المانع ظهور الفسق، لما يترتّب عليه من الأخطار السابقة، بخلاف غيره من المستورين، وإن لم تظهر عدالته بالمعنى الذي اعتبره المتأخّرون.»[10]
وقال في كشف اللثام: «الأقرب عدم اشتراط عدالتها ولا عدالته، وإنّما خصّها لما عرفت من أنّ الولد للأب.
فالمهمّ بيان أنّه هل ينتزع منه ويدفع إلى الأُمّ بدون العدالة؟ ووجه القرب إطلاق الأدلّة، وعموم الإشفاق.
ويحتمل الاشتراط... لأنّها أمانة لا يليق بالفاسق، ولأنّه ربّما فتنه إن كان مميّزاً، ولا شبهة في اشتراط الأمانة فيما يتعلّق بالحضانة والتربية.»[11]
وقال صاحب الجواهر في ردّ دعوى اعتبار عدم فسق الأمّ في حضانتها: «قد عرفت أنّها ليست ولاية، مع أنّ منشأها الشفقة التي هي من لوازم طبيعة كلّ حيوان...
وفي المسالك... وفيه: أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة أيضاً خلاف ذلك، خصوصاً مع غلبة الفسق في النساء. نعم، لو ظهر عدم ائتمان المرأة على الولد، أمكن حينئذٍ دعوى سقوط حضانتها وعدم شمول الإطلاقات لها، بل في كشف اللثام أنّه لا شبهة في ذلك.»[12]
ونوكل بيان المبنى المختار في المسألة إلى الجلسة القادمة إن شاء الله.