46/11/01
بسم الله الرحمن الرحیم
نقد جواب صاحب الرياض - رقيّة الأب أو كفره/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ نقد جواب صاحب الرياض - رقيّة الأب أو كفره
قال صاحب الرياض في الجواب عن الاحتمال المذكور في كلمات الشهيد الثاني ـ والذي عرضناه في الجلسة السابقة ـ ما نصّه: «الخبران بالسقوط في المزوّجة ظاهران في حياة الأب جدّاً، والاشتغال بحقوق الزوج غير كافٍ للإسقاط قطعاً.»[1]
ومراده من الخبرين هو مرسلة المنقري[2] [3] ومعتبرة داود الرقّي[4] [5] ، والحقّ كما قاله، فإنّ الروايتين ظاهرتان في تقدّم حقّ الأب على الأُمّ في حضانة الولد في صورة نكاح الأُمّ، ولا يصلحان لمعارضة إطلاق صحيحة ابن سنان وموثّقة داود بن الحصين اللتين تدلان على تقدّم الأُمّ على غيرها في الحضانة فيما إذا مات الأب.
كما أنّ الاستدلال على سقوط حقّ الأُمّ في الحضانة من جهة اشتغالها بحقوق الزوج عند نكاحها غير تامّ، إذ من المقرّر أنّ حقّ الحضانة ـ سواء كان للأب أو للأُمّ ـ إنّما يثبت بشرط قدرة الحاضن على القيام بشؤون الولد، فإذا عجز أحدهما عنه ـ لأيّ سبب كان ـ سقط حقّه في الحضانة.
فانقدح أنّ الأُمّ تكون مقدّمة على غيرها في الحضانة مطلقاً فيما إذا توفّي الأب، سواء كانت مزوّجة أم غير مزوّجة.
المورد الثاني: رقيّة الأب أو كفره
إذا كان الأب رقيقاً أو كافراً، فلا يثبت له حقّ الحضانة، بل تكون الحضانة للأُمّ وإن كانت مزوّجة.
أمّا في صورة رقّية الأب، فالدليل على ذلك معتبرة داود الرقّي المتقدّم ذکرها والتي جاء فيها: «...ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإن تزوّجت حتّى يعتق، هي أحقّ بولدها منه مادام مملوكاً، فإذا أُعتق فهو أحقّ بهم منها.»[6] [7]
وكذلك صحيحة الفضيل بن يسار: «أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً، فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها لموضع الأب.»[8] [9]
والمستفاد من الروايتين أنّه إذا ارتفع المانع من حضانة الأب ـ وهو الرقيّيّة ـ وذلك بعتقه، عادت له أحقّيّته في الحضانة.
وأمّا إذا کان الأب کافراً فلم يرد نصّ خاصّ بهذه الصورة، ولكن اعتبر صاحب المسالك أنّ تقدّم الأُمّ المسلمة على الأب الكافر في الحضانة يکون أولی من تقدّمها عليه فيما إذا کان رقّاً، لأنّ مانعيّة الكفر عن الحضانة أقوی من مانعيّة الرقّيّة عنها. [10]
وقال صاحب الجواهر في هذا المجال: «وأمّا الكافر فإنّه وإن لم يكن فيه نصّ إلا أنّ من المعلوم عدم ولايته على المسلم وعدم معارضته له، لأنّ «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»، فهو حينئذٍ أنقص من المملوك بالنسبة إلى ذلك، فيكون أولى منه بالحكم المزبور.»[11]
أقول: إن كان مراده من عدم ولاية الكافر على المسلم أنّ الحضانة نوع من الولاية والأب الكافر حيث لا ولاية له على ولده المسلم فلا حقّ له في حضانته، فذلك مردود بما تقدّم من أنّ الحضانة ليست من باب الولاية، بل هي حقّ للحاضن لا يستلزم ولاية على المحضون.
وأمّا إن كان المراد أنّ تقديم الأب الکافر على الأُمّ في الحضانة يقتضي نوعاً من التعالي والتسلّط من الكافر على المسلم وهو ما ينافي القاعدة المستفادة من الآية والرواية، فهذا کلام وجيه.
ويؤيّده ما ذكر في باب الشفعة من أنّه إذا كان المشتري مسلماً، اشترط في الشفيع أن يكون مسلماً أيضاً لئلا يكون للكافر سبيل على المسلم.
قال الشهيد الثاني هناك: «إنّما اشترط إسلام الشفيع مع كون المشتري مسلماً لأنّ الشفيع إنّما يأخذ من المشتري ودركه عليه كما سيأتي، وأخذه منه على وجه القهر سبيل على المسلم، وهو منفيّ بقوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾[12] .
ويؤيّده رواية السكوني: «ليس لليهودي والنصراني شفعة»[13] [14] وأراد به على المسلم، للإجماع على ثبوتها لهما على غيره.
وكأنّه موضع وفاق، وإنّما خالف فيه جماعة من العامّة، فأثبتوها له عليه قياساً على الردّ بالعيب، والفرق واضح، مع بطلان القيا
ولا فرق بين كون البائع مسلماً أو كافراً. ولو لم يكن المشتري مسلماً لم يشترط إسلام الشفيع وإن كان البائع مسلماً.»[15]
ولا مانع أيضاً من الاستناد إلى الأولويّة المستفادة من أدلّة الرقّيّة، خاصّة مع ملاحظة بعض النصوص الدالّة على أنّ أهل الكتاب بمنزلة المماليك، كحسنة أبي بصير عن أبي جعفر(ع) حيث قال: «...إنّ أهل الکتاب مماليك للإمام...»[16] [17]
فإذا كان أهل الكتاب في حكم العبيد، فغيرهم أولى بأن يُلحق بهم في هذا الحكم.
على أنّ الاعتبار أيضاً يشهد بذلك، فإنّ إيداع الولد إلى الكافر يؤثّر في تربيته ونشأته قطعاً ويمكن الاطمئنان بعدم رضا الشارع بذلك.
ولأجل هذا لا يبعد القول بوجوب أخذ الولد من الطرف الكافر إذا كان أحد أبويه مسلماً حين انعقاد نطفته أو ولادته ـ على اختلاف المباني في المسألة ـ ومات الطرف المسلم وأن يتولّى الحاكم الشرعي تأمين شؤون حضانته في بيئة إسلاميّة ولا يترك في حضانة الأب الكافر أو الأُمّ الكافرة، وذلك لأنّه قد نفي الخلاف[18] في عدم تبعيّة الولد لوالديه في الكفر بعد ارتدادهما إذا كان قد حکم بإسلامه أوّلاً بالتبعيّة، بل نقل الإجماع عليه[19] .