« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

تقديم حضانة الأُمّ بعد وفاة الأب/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ تقديم حضانة الأُمّ بعد وفاة الأب

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ صاحب الحدائق أشكل على ما ذهب إليه المشهور من تقديم الأُمّ في حضانة الولد بعد وفاة أبيه حيث قال: : «لم أقف له على دليل في النصوص، وهم أيضاً لم يذكروا له دليلاً وإن كان من الأدلّة الاعتباريّة الجارية في كلامهم. والمقطوع به في النصوص هو أنّ الحضانة لها في مدّة الرضاع كما تقدّم، وأنّ الأب لا يزاحمها فيها، فلو مات في هذه الحال فالأُمّ باقية على ولايتها، وليس للوصيّ معارضتها، لأنّها إذا كانت في هذه الحال أولى من الأب على تقدير وجوده، فهي أولى من وصيّه بطريق الأولى مع موته.

وكذا في السبع في البنت على ما يدّعونه ممّا تقدّم في كلامهم لعين ما ذكر، وأمّا بعد هذه المدّة فيما إذا صارت الولاية للأب، لو مات الأب فلا أعرف دليلاً على رجوع الولاية لها وأنّها حقّ الوصي. إلا أنّ ظاهر كلامهم الاتّفاق على أنّها للأُمّ، وفرّعوا عليه أيضاً عدم الفرق بين كون الأُمّ متزوّجة أم لا.»[1]

غير أنّ ما ذكره محلّ تأمّل، بل غريب بالنظر إلى وجود النصوص الدالّة صريحاً على تقديم الأُمّ في الحضانة بعد وفاة الأب، كموثّقة داوود بن الحصين: «...فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة...»[2] [3]

وكذا صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله(ع): «في رجل مات وترك امرأة ومعها منه ولد فألقته على خادم لها فأرضعته ثمّ جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ؟ فقال: لها أجر مثلها وليس للوصيّ أن يُخرجه من حَجرها حتّى يُدرك ويدفع إليه ماله.»[4] [5]

وبناءً على هذه الأخبار يمكن القول بتقدّم الأُمّ في حضانة ولدها بعد موت أبيه على العصبة حتّی الجدّ للأب وكذا على وصيّ الأب.

نعم، للشيخ المفيد كلام قد يفهم منه خلاف ذلك، حيث قال: «إن مات الأب، قامت أُمّه مقامه في كفالة الولد، فإن لم يكن له أُمّ وكان له أب، قام مقامه في ذلك، فإن لم يكن له أب ولا أُمّ، كانت الأُمّ التي هي الجدّة أحقّ به من البعداء.»[6]

وإطلاق کلامه تفيد انتقال الحضانة إلی آخرين ولو مع وجود الأُمّ للولد، لكن مع ملاحظة الأخبار المتقدّمة يتبيّن أنّ هذا الإطلاق غير تامّ وأنّ الحضانة تبقى بيد الأُمّ مع حياتها مقدّمة علی الآخرين.

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ مراده من عبارته هو أنّ الحضانة عند فقدان الأب تنتقل إلی أُمّ الولد، وعند فقدان الأُمّ تنتقل إلی أبيه، فإذا فقدا معاً انتقلت إلی الجدّة للأُمّ، لا أنّ المراد تقديم أُمّ الأب على أُمّ الولد.

وعليه فلا يكون في كلامه معارضة لما ذهب إليه المشهور من تقديم أُمّ الولد في الحضانة بعد وفاة الأب.

وقد ذكر صاحب الجواهر مضافاً إلى الروايتين المتقدّمتين وجهاً آخر في الاستدلال على تقدّم الأُمّ في الحضانة عند وفاة الأب فقال: «لعلّ ذلك ظاهر النصوص السابقة باعتبار إثبات الأحقّيّة للأُمّ في الذكر حتّى يفطم، فيكون الأب أحقّ به، وفي الأُنثى سبعاً، فيكون الأحقّ الأب.

فأصل الحقّ ثابت لكلّ منهما إلا أنّه يكون غيره أحقّ منه. ومن المعلوم أنّ ذلك يكون مع وجوده، أمّا مع عدمه فليس الحقّ حينئذٍ إلا لذي الحقّ، ضرورة فرض عدم الأحقّ منه. وكأنّ ذلك ونحوه منشأ اتّفاق الأصحاب.»[7]

لكن يشكل على هذا الاستدلال في إثبات تقدّم الأُمّ في حضانة الولد بعد وفاة الأب بأنّ مجرّد زوال مانع الأُبوّة لا يثبت بمفرده أحقّيّة الأُمّ، لاحتمال وجود موانع أُخرى ـ كحقّ الجدّ من جهة الأب، أو حقّ العصبة، أو حقّ وصيّ الأب ـ فيبقى الأمر متوقّفاً على نفي هذه الموانع بدليل خاصّ.

وعليه فلو لم يتمّ التمسّك بصحيحة ابن سنان وموثّقة داوود بن الحصين، لم يكن مجرّد موت الأب كافياً لإثبات أحقّيّة الأُمّ في الحضانة، لأنّ زوال مانع لا يستلزم نفي سائر الموانع، ونفي مانعيّة تلك الجهات يحتاج إلى نصّ يدلّ عليه.

نعم، إذا فرضنا موت الأُمّ، فإنّ هذا الوجه في الاستدلال يكون تامّاً في إثبات تقدّم الأب في الحضانة كما سيأتي بيانه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

وأمّا الدليل الآخر الذي تمسّك به صاحب الجواهر لإثبات تقدّم حقّ الأُمّ في الحضانة بعد وفاة الأب، فهو قوله تعالى: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾[8] حيث قال في وجه الاستدلال بها: «مع وجودهما، كان تفصيل الأمر بينهما شرعاً على ما عرفت، أمّا مع موت أحدهما، يبقى الآخر بلا معارض، فلا يضارّ بأخذ الولد منه.»[9]

والحقّ إمكان الالتزام بهذا الاستدلال، لإمكان استفادة هذا المعنى من إطلاق الآية المباركة، إذ لا موجب لتقييدها بصورة وجود الأبوين معاً وإضرار أحدهما بالآخر بسبب ولدهما، بل منطوقها يشمل كلّ مورد يتوقّع فيه الإضرار بأحدهما في شأن الولد، ومنه مورد انفراد الأُمّ بعد موت الأب.

نعم، قد ورد تطبيق الآية في الأخبار التي تقدّم ذکرها سابقاً على موارد إضرار الأب بالأُمّ، إلّا أنّ هذا لا يقتضي حصر الحكم بتلك الموارد لأنّ المورد لا يخصّص عموم الحکم.

وأمّا إذا تزوّجت الأُمّ، فهل يبقى لها حقّ التقدّم في الحضانة على سائر الأقارب في صورة موت الأب؟

ظاهر کلام العلّامة في التلخيص هو تقدّم حقّ الأُمّ في هذا الفرض حيث قال: «ولو تزوّجت الأُمّ سقطت حضانتها إلا أن يموت الأب.»[10] وورد نظيره في الإرشاد أيضاً. [11]

إلا أنّه يمكن حمل كلامه على خصوص ما إذا وقع موت الأب في المدّة التي ثبتت فيها حضانة الأُمّ شرعاً ـ أي السنتين أو السبع سنين ـ فإنّ مقتضى كلامه أنّ نكاح الأُمّ لا يسقط حقّها في الحضانة إذا كان الأب قد مات في تلك المدّة، دون أن يكون مراده تقدّم الأُمّ في الحضانة على غيرها بعد انقضاء تلك المدّة ولو مع زواجها.

ويؤيّد هذا الحمل أنّ التعبير الوارد في عبارته هو سقوط الحضانة إلا في صورة موت الأب لا أنّ الأُمّ أحقّ بالحضانة في صورة موت الأب، والفرق بين العبارتين ظاهر، فإنّ الأُولى تنفي مانعيّة التزويج لحضانة الأُمّ في ظرف خاصّ والثانية تثبت أحقّية الأُمّ مطلقاً.

وعلى أيّة حال، فإنّ إطلاق كلمات كثير من الأصحاب ـ كالمحقّق الحلّي ـ في تقديم الأُمّ في الحضانة بعد وفاة الأب، يشمل صورة تزوّج الأُمّ أيضاً من دون ظهور قرينة على التقييد.

إلا أنّ الشهيد الثاني قد احتمل في البداية أن يكون مراد الأصحاب من هذا الإطلاق هو صورة عدم تزوّج الأُمّ حيث قال: «باقي عبارات الأصحاب في ذلك مجملة كعبارة المصنّف محتملة لتقييدها بكونها غير مزوّجة، نظراً إلى أنّه شرط في الحضانة مطلقاً، وإلى التعليل المذكور باشتغالها بحقوق الزوج، فإنّه آتٍ هنا.»[12]

غير أنّه نفى هذا الاحتمال بعد ذلك واختار القول بتقدّم الأُمّ في الحضانة مطلقاً حتّى في حال زواجها.

وقد تعرّض صاحب الرياض لهذا الاحتمال وناقشه بما سنذكره في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.


logo