46/10/28
بسم الله الرحمن الرحیم
حضانة ولد الرشيد و المجنون - موارد تقدّم حضانة الأُمّ/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ حضانة ولد الرشيد و المجنون - موارد تقدّم حضانة الأُمّ
تقدّم أنّ الشهيد الثاني استدلّ على عدم ثبوت حقّ الحضانة للولد البالغ الرشيد بأنّ الحضانة ولاية ولا ولاية على البالغ الرشيد، فلا تثبت الحضانة عليه. وقد ذكرنا الإشكال الوارد على هذا الاستدلال.
ومن الأنسب في مقام الاستدلال على هذه الدعوى أن يقال: إنّ جعل حقّ الحضانة من قبل الشارع كان من باب الامتنان، وحيث إنّ نطاق الحقوق الامتنانيّة منحصر فيما لا يوجب ضرراً على الطرف الآخر وكان جعل الحضانة للحاضن بعد بلوغ المحضون وتوفّره على الرشد موجباً لتقييد سلطته على نفسه ممّا يعدّ ضرراً عليه، فلا يمكن التمسّك بإطلاقات أدلّة الحضانة لإثبات ثبوتها بعد البلوغ.
فإن قلت: يمكن للحاضن أن يتولّى رعاية المحضون البالغ بإذنه، ولا منافاة في ذلك لسلطة المحضون على نفسه.
قلت: هذا خارج عن محلّ النزاع، فإنّ الكلام إنّما هو في الحضانة بوصفها حقّاً شرعيّاً مثبتاً من قبل الشارع للحاضن، لا في مجرّد رعاية شخص لآخر برضاه، فإنّ ذلك لا إشكال في جوازه.
نعم، ما ذكر إنّما يتمّ فيما إذا لم يكن المحضون البالغ العاقل محتاجاً إلى الحضانة، أمّا إذا كان بحاجة إليها فاختياره في البقاء عند أحد الأبوين كما ذكره بعض الأصحاب، صحيح ومقبول.
ثمّ إنّه إذا لم يكن من اختاره المحضون من الأبوين للحضانة مستعدّاً لتولّيها، فهل يمكن إلزامه بها؟
الحقّ أنّه لا دليل على إمكان إلزام الأبوين بحضانة الولد بعد بلوغه. وعليه فإن كان للمحضون مال، يستأجر من يتولّى أمر حضانته، وإلا فإنّ من تجب عليه نفقته يلزمه تحمّل كلفة الحضانة أيضاً باعتبارها من شؤون النفقة.
وأمّا ما إذا كان المحضون بالغاً لكنّه مجنون، فهل تثبت عليه الحضانة أم لا؟ فهذا ما سنتعرّض له لاحقاً إن شاء الله تعالى.
المقام السابع: حضانة الولد المجنون
إذا كان الولد مجنوناً ولم يبلغ بعدُ، فلا إشكال في شمول إطلاقات أدلّة الحضانة له، فتكون حضانته كحضانة الطفل العاقل.
وأمّا إذا بلغ الولد وهو مجنون، فما هو حكم حضانته؟
قد سبق من ابن الجنيد أنّه قال«الأُمّ أحقّ بالصبيّ إلى سبع سنين، فإذا جاز سبع سنين وهو معتوه كان حكمه حكم الطفل في استحقاق الأُمّ إيّاه.»[1] وإطلاق كلامه يشمل ما إذا بلغ الصبيّ المعتوه أيضاً. ويؤيّد ذلك أنّ هذا الكلام مأخوذ على ما يبدو من كلام الحنابلة القائلين بحضانة الأُمّ لولدها المجنون ـ ذكراً كان أم أُنثى ـ ولو بعد بلوغه.
وقال العلامة في القواعد: «وتثبت الحضانة على المجنون، لأنّه كالطفل.»[2]
كما أنّ ظاهر كلمات من قال بسقوط الحضانة في صورة بلوغ المحضون ورشده أيضاً أنّه في صورة عدم رشده ـ والذي تقدّم أنّه بمعنى جنونه ـ تبقی الحضانة عليه.
لكن مع ذلك لا يظهر من هذه الكلمات من هو الشخص المكلّف بالحضانة في هذه الحالة، وإنّما تُثبت أصل الحضانة على المجنون.
غير أنّ العلامة قال في التحرير: «المجنون أمره إلى الأب وإن بلغ، ذكراً كان أو أُنثى.»[3]
وقال كاشف اللثام في توضيح مدّعى العلامة في القواعد: «ويثبت الحضانة على المجنون البالغ للأب، لأنّه كالطفل بل أولى بالحضانة، ولمّا كان الولد للأب كانت الحضانة له.»[4]
أقول: التحقيق أنّ حضانة المجنون بعد بلوغه تتبع الولاية عليه، فمن كانت له ولايته، فعليه رعاية شؤونه الحياتيّة بما يشمل متطلّبات الحضانة، سواء باشرها بنفسه أو استخدم من يتولاها. وبما أنّه لا خلاف في بقاء ولاية الأب على ولده الذي يبلغ مجنوناً، فإنّ أمر الحضانة في هذه الصورة موكول إليه.
وأمّا إذا بلغ الولد عاقلاً ثمّ عرض عليه الجنون، فقد وقع الخلاف فيمن تثبت له ولايته عليه؛ فإن قلنا ببقاء ولاية الأب عليه، كانت الحضانة عليه أيضاً من وظيفته، وإلاّ فإنّها تنتقل إلى حاكم الشرع وتؤخذ تكلفة الحضانة من مال المجنون أو يدفعها من تجب نفقته عليه.
المقام الثامن: موارد تقدّم حضانة الأُمّ
قد تكون الأُمّ أولى بحضانة الولد حتّى بعد انقضاء المدّة التي تكون الحضانة لها فيها ثابتة شرعاً، وذلك في موارد خاصّة، منها:
المورد الأوّل: موت الأب
إذا توفّي الأب، فإنّ الحضانة تنتقل إلى الأُمّ وتبقى بيدها إلى حين بلوغ الولد، ولا يحقّ للجدّ من قبل الأب ولا لسائر أقرباء الولد ولا لوصيّ الأب أن ينتزعوا الطفل منها.
وقد نقل عدم الخلاف بل الإجماع في المسألة.[5]
غير أنّ صاحب الحدائق قد ناقش هذا القول، وسوف نعرض لمناقشته ونقاشها بالتفصيل في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.