« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأقوال في حقّ الحضانة/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ الأقوال في حقّ الحضانة

 

طرحنا في الجلسة السابقة دعوى الشهيد الأول حول إمكان إسقاط حقّ الحضانة.

ويقول الشهيد الثاني في الروضة: «واعلم أنّه لا شبهة في كون الحضانة حقّاً لمن ذكر. ولكن هل تجب عليه مع ذلك أم له إسقاط حقّه منها؟

الأصل يقتضي ذلك، وهو الذي صرّح به المصنّف في قواعده...

ونقل عن بعض الأصحاب وجوبها وهو حسن، حيث يستلزم تركها تضييع الولد.

إلا أنّ حضانته حينئذٍ تجب كفاية كغيره من المضطرّين، وفي اختصاص الوجوب بذي الحقّ نظر، وليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق.»[1]

وقد بحث صاحب الرياض هذه المسألة على نحو ما بحثها الشهيد الثاني. [2]

غير أنّ ما فهمه ثاني الشهيدين من كلام الشهيد الأوّل في القواعد من أنّ لكلّ من الأبوين حقّ إسقاط الحضانة مطلقاً، لا يخلو من نظر، إذ الظاهر من كلامه هو ما تقدّم.

ويُستفاد من كلام صاحب الجواهر في صدر البحث أيضاً أنّه يرى إمكان إسقاط الأُمّ لحقّها في الحضانة، دون أن يتعرّض لإمكان ذلك في جانب الأب.

إلا أنّ السيد الخوئي يقول في هذا الشأن: «مسألة 1394: حقّ الحضانة الذي يكون للأُمّ يسقط بإسقاطها، بخلاف حقّ الحضانة الذي يكون للأب أو الجدّ، فإنّه لا يسقط بإسقاطه.»[3]

والظاهر أنّ هذه الفتوى مستندة إلى ما ورد في صحيحة أيّوب بن نوح ـ بنقل الشيخ الصدوق ـ من اشتراط حضانة الأُمّ بإرادتها، وهو ما يدلّ على قابليّة هذا الحقّ للإسقاط من قبلها، بخلاف الأب حيث لا توجد رواية معتبرة تدلّ على جواز تنازله عن الحضانة.

ويقول السيّد السيستاني في هذه المسألة: «مسألة ٤٠٩: الحضانة كما هي حقّ للأُمّ والأب أو غيرهما على التفصيل المتقدّم، كذلك هي حقّ للولد عليهم، فلو امتنعوا أُجبروا عليها.

وهل يجوز لمن يثبت له حقّ الحضانة أن يتنازل عنه لغيره فينتقل إليه بقبوله أم لا؟ الظاهر العدم.

نعم، يجوز لكلّ من الأبوين التنازل عنه للآخر بالنسبة إلى تمام مدّة حضانته أو بعضها.»[4]

أقول: مقتضى التحقيق أنّ المستفاد من أخبار الباب لا يزيد على بيان أنّ الأب أو الأُمّ أحقّ بحضانة الطفل من الآخر أو من غيرهما، أمّا كون الحضانة واجباً شرعيّاً على أحدهما، فلا دليل عليه، ولا ملازمة بين الأحقّيّة والوجوب، كما أنّ أحقّيّة الأُمّ في إرضاع ولدها لا تلازم وجوب الإرضاع عليها شرعاً.

بل إنّ صحيحة أيّوب بن نوح قد دلّت على أنّ حضانة الأُمّ مشروطة بإرادتها، وهو ظاهر في أنّها إذا امتنعت لا يمكن إلزامها بها. كما أنّ النقل الآخر لهذه الصحيحة الوارد في مستطرفات السرائر يدلّ على أنّ حضانة الأب أيضاً مقيّدة بإرادته، بما يظهر منه عدم الإشكال في تنازله عن الحضانة لصالح الأُمّ.

ولكن يرد الإشكال في صورة امتناع كلا الأبوين عن التصدّي للحضانة، فهل يجوز في هذه الحال إلزام أحدهما بها؟

الحقّ في هذا الفرض أنّه لمّا کانت للأب ولاية شرعيّة قهريّة على الولد وهي ممّا لا تقبل الإسقاط، لزمه شرعاً أن يوفّر ما يقتضي حفظ الطفل والعناية به بما يحقّق مصلحته ويرفع عنه الضرر. غير أنّ ذلك لا يستلزم أن يتولّى الحضانة بنفسه مباشرة، بل له أن يعهد بها إلى غيره، كأن يستخدم من يقوم بها أو يوكّل حضانة الطفل إلى عبده أو أمته.

ويجدر التنبيه إلی أنّ قولنا: «للأب من باب الولاية أن يختار حاضن ولده» لا يعني أنّ الحاضن المذكور وكيل للأب في الحضانة، بل الأب إمّا أن يستخدم حقّ حضانته ويتولّى حضانة الطفل أو يختار حاضناً بحسب ولايته على الطفل.

وبعبارة أُخرى: فكما أنّ للأب حقّ الحضانة، فله أيضاً من باب الولاية أن يختار شخصاً مناسباً لحضانة طفله، كما هو الحال بالنسبة إلى الطفل الذي فقد أبويه وأقربائه وبات بلا قيّم، فيختار حاكم الشرع حاضناً له من باب ولايته عليه، وهذا لا يعني أنّ الحضانة كانت تكليفاً على حاكم الشرع ابتداءً ثمّ وكّل أحداً في ذلك.

وسنتابع الكلام في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[4] ـ منهاج الصالحين، ج3، ص122.
logo