46/10/20
بسم الله الرحمن الرحیم
عدم الملازمة بين حق الحضانة و حق الإرضاع/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ عدم الملازمة بين حق الحضانة و حق الإرضاع
قلنا: إنّ حقّ الحضانة وحقّ إرضاع الطفل الرضيع حقّان متمايزان لا تلازم بينهما.
غير أنّ المحقّق يرى خلاف ذلك، حيث قال: «إذا طلبت الأُمّ للرضاع أُجرة زائدة عن غيرها، فله تسليمه إلى الأجنبيّة. وفي سقوط حضانة الأُمّ تردّد والسقوط أشبه.»[1]
وقد ناقشه الشهيد الثاني بقوله: «منشأ التردّد من أنّهما حقّان متغايران، فلا يلزم من سقوط حقّها من أحدهما سقوطه من الآخر، وحقّ الحضانة ليس مشروطاً بذلك.
ومن لزوم الحرج بتردّد المرضعة إليها في كلّ وقت يحتاج الولد إلى الإرضاع، ودلالة قول الصادق(ع) في رواية داود بن الحصين: «فإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم وقالت الأُمّ: «لا أُرضعه إلا بخمسة دراهم» فإنّ له أن ينزعه منها» الحديث. وهذا هو الذي اختاره المصنّف.
وفي الأول قوّة. والضرر بذلك لا يبلغ حدّ إسقاط الحقّ الثابت. والخبر ضعيف السند. ويمكن حمله على نزعه من جهة الرضاع لا مطلقاً.
وعلى هذا فتأتي المرضعة إليه إن أمكن وإلا حمل الولد إليها وقت الحاجة، فإن تعذّر جميع ذلك سقط حقّها من الحضانة حينئذٍ إن لم تتبرّع بالإرضاع إلى أن توجد مرضعة تأتي إليه أو يمكن نقله إليها كما مرّ، لأنّ حفظ الولد واجب ولا يتمّ إلا بذلك، والضرر يتحقّق حينئذٍ.»[2]
والصواب هو ما ذهب إليه الشهيد الثاني، وإن لم تصحّ دعواه من ضعف الرواية سنداً.
لكن صاحب الجواهر أيّد رأي المحقّق وقال: «السقوط هنا أشبه بأُصول المذهب وقواعده، ضرورة معلوميّة أصالة أحقّيّة الوالد بولده المنسوب إليه إلا أنّه خرج عنها الحضانة التابعة للرضاع، لأنّها المتيقّنة من النصّ، فيبقى غيرها على الأصل.»[3]
وفيه: أنّ التمسّك بالأصل إنّما يتمّ فيما إذا لم يرد في النصوص ما يدلّ على إطلاق حقّ حضانة الأُمّ، مع أنّ هذا الإطلاق موجود في روايات كصحيحة أيّوب بن نوح.
بل يظهر من كلمات بعض قدامى الأصحاب التفريق بين الحقّين، كقول الحلبي في الكافي: «وإذا طلّق الزوجة وله منها ولد يرضع، فهي أحقّ برضاعه وكفالته، ولها أجر الرضاع، فإن طلبت شططاً فوجد من يرضعه بالأجر القصد فرضيت به، فهي أحقّ به، وإن أبت سلّم إلى المرضعة، ولها كفالته على كلّ حال، ولها تسليمه الى أبيه.»[4]
وقد صرّح ابن إدريس بذلك بوضوح فقال: «الحضانة غير الرضاع، لأنّ الأُمّ إذا لم ترض في أُجرة الرضاع بما يرضاه الغير، انتزعه الأب منها مع ثبوت الحضانة لها في هذه الحال، فإذا أرضعته الأجنبيّة التي رضيت بدون ما رضيت به أُمّه، كان للأُمّ حضانته، ثمّ إذا احتاج إلى اللبن ترضعه المرضعة، ثمّ تأخذه الأُمّ بحقّ الحضانة إذا روي من اللبن، ثمّ هكذا، فليلحظ ذلك.»[5]
نعم، لو كان مستند حقّ حضانة الأمّ في مدّة رضاع الطفل أخبار مثل خبر فضل أبي العبّاس وخبر أبي الصبّاح وحسنة الحلبي، فالحقّ أن هذا الحقّ ينقضي بانقضاء تلك المدّة ولو قبل تمام السنتين، لأنّ أقصى ما تثبته هذه الأخبار هو حقّ الحضانة في مدّة الرضاع ولا تدلّ على أزيد من ذلك.
ولكن في المقابل قال صاحب الجواهر: «إنّ ما قلناه من الحضانة للأُمّ مدّة الرضاعة ـ أي الحولين ـ مشروط بارتضاعه منها، فلو فطم قبل الحولين ترتفع حضانتهاكما هو مقتضى قوله(ع): «فإذا فطم فالأب أحقّ منها»؟ أو أنّ لها الحضانة في مدّة تمام الحولين وإن فطم قبلهما وإنّما ترتفع حضانتها بتمامهما وإن بقي يرتضع بعدهما؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوة، للأصل وإمكان تنزيل قوله(ع): «حتّى يفطم» على الغالب من الحولين.»[6]
لكن لا وجه للتمسّك بالأصل مع وجود الدليل، ولا يصحّ رفع اليد عن ظاهر النصّ بلا قرينة، والغلبة الخارجيّة لا تصلح قرينة لذلك.
وبناءً عليه يتّضح أنّ الروايات الثلاث ـ أي: خبر فضل أبي العبّاس، وخبر أبي الصبّاح، وحسنة الحلبي ـ لا علاقة لها بموضوع الحضانة.
كما أنّ وجه عدم دلالة معتبرة جميل وابن بكير على هذا الموضوع قد تقدّم.
وأمّا مرسلة المنقري، فهي وإن كانت مرتبطة ببحث الحضانة إلا أنّها ضعيفة السند، فلا يعوّل عليها.
فما يبقى في المقام هو صحيحة الفضيل بن يسار وموثّقة داود الرقّي وصحيحة أيّوب بن نوح، وسنبسط القول في طريقة الجمع بينها في الجلسة القادمة إن شاء الله.