46/10/14
بسم الله الرحمن الرحیم
أقوال الفقها في المسألة – القول الثالث/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ أقوال الفقها في المسألة – القول الثالث
استكمالاً لما طرحناه في الجلسة السابقة من عرض القول الثاني المنسوب إلى الشيخ المفيد وسلار الديلمي وذكرنا ما يحتمل أن يكون مستنده من الروايات، نشير هنا إلى ما ورد عن صاحب الجواهر في هذا الصدد؛ فقد صرّح ـ تبعاً لكاشف اللثام[1] ـ قائلاً: «إنّا لم نقف على مستنده. اللهمّ إلا أن يقال: إنّها لمّا كانت مستورة ولابدّ للأب من التبرّج كثيراً، لم يكن بدّ من وليّ يربّيها إلى البلوغ، وحدّه تسع سنين، أو تستصحب الحضانة إليها بعد تنزيل خبري السبع على الذكر... فيقتصر بهما على الخروج منه عليه خاصّة، فإنّه وإن كان مطلقاً إلا أنّ الأليق ولاية الأب عليه إذا بلغ سبعاً والأُنثى بخلافه، إذ بلوغ السبع وقت التأديب والتربية لهما، وتأديبه أليق بالأب وتربيتها بالأُمّ.
وربما يؤيّد بالنصوص الواردة في إهمال الصبي سبعاً، وضمّه ولزومه للأب وتعليمه الكتاب سبعاً، وتعليمه الحلال والحرام سبعاً.»[2]
لكن هذه الوجوه كلّها استحسانات لا يعتمد عليها في مقام الاستدلال الشرعي، ولا تصلح لرفع اليد عن إطلاقات الأخبار.
القول الثالث: أنّ الحضانة بيد الأُمّ مادام الطفل غير مميّز، فإذا بلغ سنّ التمييز كانت الأحقّيّة للأُمّ إلى السابعة في الذكر وإلى التاسعة في الأُنثى
قال ابن جنيد: «الأُمّ أحقّ بالصبيّ إلى سبع سنين، فإذا جاز سبع سنين وهو معتوه، كان حكمه حكم الطفل في استحقاق الأُمّ إيّاه، وأما البنت فالأُمّ أولى بها ما لم تتزوّج الأُمّ.»[3]
وقال الشيخ في الخلاف: «إذا بانت المرأة من الرجل ولها ولد منه، فإن كان طفلاً لا يميّز، فهي أحقّ به بلا خلاف، وإن كان طفلاً يميّز ـ وهو إذا بلغ سبع سنين أو ثمان سنين فما فوقها إلى حدّ البلوغ ـ فإن كان ذكراً، فالأب أحقّ به، وإن كان أُنثى، فالأُمّ أحقّ بها...
دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم.»[4]
قال القاضي ابن البرّاج في المهذّب: «إذا بانت المرأة من زوجها بطلاق أو خلع أو غير ذلك وله معها ولد طفل لا يعقل ولا يميّز، كانت هي أولى بحضانته من أبيه. وإن كان بالغاً عاقلاً كان مخيّراً بين أن يكون مع أبيه أو أُمّه. وإن كان صغيراً وقد ميّز ولم يبلغ وكان ذكراً، كان أولى به إلى سبع سنين من عمره، وإن كان أُنثى كانت الأُمّ أولى بها إلى تسع سنين، وقيل: إلى بلوغها.»[5]
وقد وافقهم علی ذلك الكيدري والفاضل المقداد. [6] [7]
بل الظاهر ذهاب الشيخ في المبسوط أيضاً إلی هذا القول حيث قال: «إن كان طفلاً لا يميّز ولا يعقل، فالأُمّ أحقّ به من أبيه، تربّيه وتحضنه والنفقة على أبيه، لما روي أنّ امرأة قالت: يا رسول الله! إنّ ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، و حجري له وطاء، وإنّ أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه منّي، فقال لها النبي(ص): أنت أحقّ به ما لم تنكحي...
وأمّا إن كان طفلاً بلغ حدّاً يميّز بين ضرّه ونفعه ـ وهو إذا بلغ سبع سنين أو ثماني سنين فما فوقها ـ إلى البلوغ، فالذي رواه أصحابنا أنّه إن كان ذكراً فالأب أحقّ به، وإن كانت أُنثى فالأُمّ أحقّ بها إلى أن تبلغ ما لم تتزوّج.»[8]
مستند القول بأنّ حضانة الابن والبنت إلى سبع سنوات بيد الأمّ هو إطلاق صحيحة أيّوب بن نوح، غير أنّ بقاء حضانة الأُمّ بالنسبة إلى البنت حتّى التاسعة لا مستند له سوی رواية أيّوب بن نوح ـ بناءً على نسخة من كتاب «مسائل الرجال» الذي ورد فيه «تسع سنين» ـ والنقل غير معتبر كما تقدّم.
على أنّه لو فرض استناد هذا القول إلى ما ورد في النسخة المذكورة من رواية أيّوب بن نوح، فلا يصحّ التفصيل بين الذكر والأُنثى في مدّة الحضانة على النحو الذي يقال فيه: إنّ الذكر إلى السابعة والأُنثى إلى التاسعة، استناداً إلى نسختين مختلفتين من رواية واحدة، إذ من البيّن أنّ الرواية المذكورة واحدة في أصلها، إمّا أن تكون واردة بلفظ «سبع» أو بلفظ «تسع»، ولا يمكن الجمع بين النسختين لإثبات تفصيل فقهي بين الولد والبنت بناءً على احتمال تعدّد النقل.
كما لا مستند لما ذهب إليه ابن الجنيد من حقّ حضانة الأُمّ للولد البليد أو المعتوه ـ ذكراً كان أو أُنثى ـ ولو بعد السابعة.
اللهمّ إلا أن يُقال: إنّ التفصيل المذكور بين الإبن والبنت في مدّة الحضانة قد يُستفاد من الجمع بين صحيحة أيّوب بن نوح الدالّة على أحقّيّة الأُمّ بالحضانة إلى سنّ السابعة، وبين سائر الروايات التي تدلّ على أحقّيّة الأُمّ بحضانة الولد مطلقاً.
فبمقتضى هذا الجمع يخصّص إطلاق تلك الأخبار بصحيحة أيّوب بن نوح في مورد الذكر، فيقال: إنّ حضانة الابن تكون للأُمّ إلى سنّ السابعة فقط، بينما تبقى البنت تحت حضانة الأُمّ إلى زمان بلوغها الشرعي ـ أي: تسع سنين ـ فتكون هي نهاية مدّة الحضانة في حقّها.
وأمّا دعوى عدم الخلاف أو الإجماع التي ذكرها الشيخ في الخلاف، فهي محلّ تأمّل، بل مخالفة لما اختاره بنفسه في النهاية.
وقد نبّه على هذا التهافت ابن إدريس حيث اعترض على دعوى الشيخ في الخلاف قائلاً: «ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه، بعضه قول بعض المخالفين... والعجب قوله في آخر المسألة: «دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم» وهذا ممّا يضحك الثكلى، من أجمع منهم معه؟ وأيّ أخبار لهم في ذلك؟ بل أخبارنا بخلافه واردة وإجماعنا بضدّ ما قاله.»[9]
إلا أنّ العلامة ناقش في المختلف ما أورده ابن إدريس علی دعوی الشيخ في الخلاف وسيأتي عرض تلك المناقشة في الجلسة القادمة إن شاء الله.