« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الحضانة في اللغة/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ الحضانة في اللغة

قال المحقّق الحلّي: «وأمّا الحضانة، فالأُمّ أحقّ بالولد مدّة الرضاع، وهي حولان، ذكراً كان أو أُنثى، إذا كانت حرّة مسلمة، ولا حضانة للأمة ولا للكافرة مع المسلم.

ف‌إذا فصل فالوالد أحقّ بالذكر والأُمّ أحقّ بالأُنثى حتّى تبلغ سبع سنين؛ وقيل: تسعاً؛ وقيل: الأُمّ أحقّ بها ما لم تتزوّج؛ والأوّل أظهر. ثمّ يكون الأب أحقّ بها.

ولو تزوّجت الأُمّ سقطت حضانتها عن الذكر والأُنثى وكان الأب أحقّ بهما.

ولو مات كانت الأُمّ أحقّ بهما من الوصيّ، وكذا لو كان الأب مملوكاً أو كافراً كانت الأُمّ الحرّة أحقّ به وإن تزوّجت، فلو أُعتق كان حكمه حكم الحرّ.

فإن فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب. فإن عدم قيل: كانت الحضانة للأقارب وترتّبوا ترتيب الإرث نظراً إلى الآية؛ وفيه تردّد.»[1]

من المناسب في مستهلّ البحث في مسألة الحضانة أن نتناول معنى «الحضانة» في اللغة.

قال الخليل في كتاب العين: «الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح، ومنه «احتضانك الشيء»، وهو احتمالكه وحملكه في حضنك، كما تحتضن المرأة ولدها فتحمله في أحد شقّيها. والمحتضن: الحضن... والحضانة: مصدر. الحاضنة والحاضن: وهما اللذان يربّيان الصبيّ... وحضنتُ الرجل عن الشيء: اختزلته ومنعته... والمحاضن: المواضع التي تحضن فيها الحمامة على بيضها.»[2]

وقال ابن الأثير في معناه: «الحضن: الجنب؛ وهما حضنان... وحُضّان: جمع حاضن، لأنّ المربّي والكافل يضمّ الطفل إلى حضنه، وبه سمّيت الحاضنة، وهي التي تربّي الطفل. والحضانة بالفتح: فعلها...

يقال: «حضنتُ الرجل عن الأمر، أحضُنه، حَضناً، وحَضانة» إذا نحّيتَه عنه وانفردتَ به دونه، كأنّه جعله في حضن منه، أي: جانب.»[3]

وقال الفيّومي: «حضن الطائرُ بيضَه، حَضناً ـ من باب «قتل» ـ وحِضاناً ـ بالكسر ـ أيضاً، ضمّه تحت جناحه، فالحمامة حاضن، لأنّه وصف مختصّ، وحكي: «حاضنة» على الأصل. ويُعدّى إلى المفعول الثاني بالهمزة فيقال: «أحضنتُ الطائرَ البيضَ» إذا جثم عليه.»[4]

يتّضح من ذلك أنّ المعنى اللغوي للحضانة لا يتضمّن مفهوماً للسلطة أو الولاية على المحضون، بل يشير إلی تربية الطفل والعناية بشؤونه، ممّا يعجز عن أدائه بنفسه، بما يصدق معه أنّ الحاضن يرعاه ويدبّر أمره.

ومن هنا لا إشكال من هذه الجهة في حضانة غير المسلم للطفل المسلم باعتبار عدم ثبوت الولاية له عليه، إلا أن يناقش في ذلك من جهات أخرى.

إلا أنّه ورد في كلمات بعض الأصحاب ما يفهم منه اعتبار الحضانة شكلاً من أشكال الولاية والسلطة.

قال العلامة في التحرير: «الحضانة ولاية وسلطنة، لكنّها بالأُنثى أليق.»[5] وذكر نظيره في القواعد أيضاً.[6]

وقال الشهيد الثاني في بيان معنى الحضانة: «هي ـ بفتح الحاء ـ ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلّق بها من مصلحته، من حفظه وجعله في سريره ورفعه وكحله ودهنه وتنظيفه وغسل خرقه وثيابه ونحو ذلك. وهي بالأُنثى أليق منها بالرجل، لمزيد شفقتها وخلقها المعدّ لذلك بالأصل... ولها الأُجرة على الرضاع ـ على ما فصّل ـ دون الحضانة.»[7]

وقد أشكل صاحب الجواهر على هذا الكلام فقال: «وفيه: أنّه إن كان المراد أنّها ولاية كغيرها من الولايات التي لا تسقط بالإسقاط وأنّه تجب على الأُمّ مراعاة ذلك على وجه لا تستحقّ عليه الأُجرة ـ كما صرّح به في المسالك ـ منهما، ليس في شيء من الأدلّة ما يقتضي ذلك، بل فيها ما يقتضي خلافه، كالتعليق على مشيئتها والتعبير بالأحقّيّة، بل ظاهرها كون هذه الأحقّيّة مثلها في الرضاع، وحينئذٍ لا يكون ذلك واجباً عليها ولها إسقاطه والمطالبة بأُجرته. اللهمّ إلا أن يكون إجماعاً ولم نتحقّقه.»[8]

غير أنّه هو نفسه اعتبر الحضانة لاحقاً من باب الولاية، فقال في مقام الاستدلال على عدم ثبوت الحضانة للولد البالغ: «إن كان الولد بالغاً رشيداً تخيّر في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما والتفرّد، ذكراً كان أو أُنثى، لأصالة عدم ولاية أحد على أحد المقتصر في خلافها على محلّ اليقين، ولأنّها إنّما ثبتت مع ضعف المولّى عليه ونقصه، فإذا كمل فلا جهة للولاية عليه.»[9]

غير أنّ الالتزام بما ذكره الأعلام مشكل، وسنبيّن وجه الإشكال في الجلسة القادمة، إن شاء الله تعالى.


logo