« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/08/19

بسم الله الرحمن الرحیم

القاعدة المستفادة من الآية الشريفة في خصوص حرمة الإضرار/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / القاعدة المستفادة من الآية الشريفة في خصوص حرمة الإضرار

 

المسألة الثالثة: القاعدة المستفادة من الآية الشريفة في خصوص حرمة الإضرار

جاء في الآية 233 من سورة البقرة تعبير يمكن اعتباره قاعدة فقهيّة عامّة في علاقات الأب والأُمّ والأولاد، إذ ورد فيها: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ والمسألة المطروحة هنا تتعلّق بصيغة فعل ﴿لَا تُضَارَّ﴾ وهل هو مبنيّ للمعلوم فتكون «الوالدة» فاعلاً، أم للمجهول فتكون نائباً للفاعل؟

قال الشيخ في تفسيره: «قوله: ﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها﴾ أصله تضارِرُ ـ بكسر الراء الأُولى، وقيل: بفتحها ـ وأُسكنت وأُدغمت في الراء بعدها ومن فتحها بالتقاء الساكنين، وهو الأقوى فيما قبله فتحة أو ألف، نحو «عضّ» و«لا تضارّ زيداً».

وقال بعضهم: لا يجوز ألا تضارَر بفتح الراء الأُولى، لأنّ المولود لا يصحّ منه مضمارة، لأنّ الأفصح لو كان كذلك الكسر.[1]

قال الرمّاني: غلط في الاعتلالين، أمّا الأوّل، فلأنّه ينقلب عليه في «تضارّ»، إذا المضارّة من اثنين في الحقيقة وإن لم يسمّ الفاعل، ولأنّه إنّما يرجع ذلك الى الزوج، والمرأة الأولى والولد.

فأمّا الأفصح فعلى خلاف ما ذكر، لأنّ الفتح لغة أهل الحجاز وبني أسد وكثير من العرب، وهو القياس، لأنّه إذا جاز مدّ بالضمّ للاتّباع، كانت الفتحة بذلك أولى[2] ، لأنّها أخفّ، ولأنّه يجوز مدّ بالفتح طلباً للخفّة، فإذا اجتمع الاتّباع والاستخفاف كان أولى. وقوله: إنّ الفتحة في تضارّ هي الفتحة في الراء الأُولى، دعوىً منه لا دليل عليها. ويدلّ على صحّة ما قلناه: قوله: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ﴾ [3] ﴿وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ﴾[4] كلّ ذلك بالفتح دون الكسر.»[5]

ويتّضح من ذلك أنّ الشيخ يری أن الفعل في الآية مبني للمعلوم.

أمّا الطبرسي فقال: «﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها﴾ أي: لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيظاً على أبيه فتضرّ بولده به، لأنّ الوالدة أشفق عليه من الأجنبيّة ﴿وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ أي: لا يأخذه من أُمّه طلباً للإضرار بها فيضرّ بولده فيكون المضارّة على هذا بمعنى الإضرار، أي: لا تضرّ الوالدة ولا الوالد بالولد.

وإنّما قال: «تضارّ» والفعل من واحد لأنّه لمّا كان معناه المبالغة كان بمنزلة أن يكون الفعل من اثنين.

وقيل: الضرر يرجع إلى الولد، كأنّه يقول: لا يضارّ كلّ واحد من الأب والأُمّ بالصبيّ، الأّمّ بأن لا ترضعه والأب بأن لا ينفق أو بأن ينتزعه من الأُمّ، والباء زائدة، والمعنى: لا تضارّ والدة ولدها ولا والد ولده.

وقيل: معناه لا تضارّ والدة الزوج بولدها. ولو قيل: في ولدها لجاز في المعنى... فعلى هذا يكون معنى ﴿بوَلَدِهَا﴾ بسبب ولدها... وقوله‌ ﴿بوَلَدِهِ﴾ بسبب ولده أيضاً.

وليس بين هذه الأقوال تنافٍ، فالأولى حمل الآية على جميعها.»[6]

أقول: هناك بعض الروايات التي تساعد في فهم معنى الآية.

منها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (ع): «سمعته يقول: الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها وهي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أُخرى، يقول الله عزّ وجلّ: ﴿لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَلٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ﴾ لا يضارّ بالصبيّ ولا يضارّ بأُمّه في رضاعه...»[7] [8]

وهذه الرواية تدلّ علی أنّ الفعل في الآية مبنيّ للمجهول، كما أنّها تفيد بأنّ القاعدة ليس خاصّة بذوات الأزواج، بل تشمل جميع الأُمّهات حتّى المطلّقات.

ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «... إنّ الله عزّ وجلّ يقول‌: ﴿لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَلٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ فقال: كانت المرأة منّا ترفع يدها إلی زوجها إذا أراد مجامعتها فتقول: لا أدعك، لأنّي أخاف أن أحمل علی ولدی فأقتل ويقول الرجل: لا أُجامعك إنّی أخاف أن تعلقي فأقتل ولدي، فنهى الله عزّ وجلّ عن أن تضارّ المرأة الرجل وأن يضارّ الرجل المرأة...»[9] [10]

وفي هذه الرواية استعمل الفعل بصيغة المعلوم، وكان مفعوله الأب والأُمّ لا الولد.

ومنها: خبر جميل بن درّاج، قال: «سألت أبا عبدالله(ع) عن قول الله: ﴿لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَلٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾، قال: الجماع.»[11] [12]

وهذه الرواية تحتمل تفسير الفعل بالمعلوم والمجهول معاً.

ومنها: خبر أبي الصبّاح الكناني عن أبي عبدالله(ع)، قال: «لا ينبغي للرجل أن يمتنع من جماع المرأة فيضارّ بها إذا كان لها ولد مرضع، ويقول لها: لا أقربك فإنّي أخاف عليك الحبل فتقتلين ولدي، وكذا المرأة لا يحلّ لها أن تمتنع عن الرجل فتقول: إنّي أخاف أن أحبل فأقتل ولدي، فهذه الضارّة في الجماع على الرجل والمرأة.» [13]

وهذه الرواية أيضاً تفسّر الفعل بصيغة المعلوم.

وينبغي التنبّه إلى أنّ الوارد في الروايات، هو من باب تطبيق القاعدة على المورد، ولا يعني اختصاصها بمورد معيّن.

أقول: من خلال هذه الروايات يتبيّن أنّ «الباء» في «﴿بِوَلَدِهَا﴾ و﴿بِوَلَدِهِ﴾ تفيد السببيّة، سواء كان الفعل مبنيّاً للمعلوم أو للمجهول، فالآية لا تعني أنّ الولد لا ينبغي أن يضرّ بوالده أو والدته، بل تعني أنّه لا يجوز للأب أوالأُمّ أن يلحق أحدهما الضرر بالآخر بسبب الولد.

نعم، يمكن استفادة تحريم إلحاق الوالدين الضرر بالولد أيضاً من الآية بحسب معتبرة أبي بصير، بل يمكن اعتبار حسنة الحلبيّ [14] [15] وخبر أبي الصبّاح[16] [17] المذكورين في الجلسة السابقة في تفسير قوله تعالی: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ مؤيّدين له.

وبالنتيجة يمكن القول بأنّ القاعدة الفقهيّة المستفادة من الآية هي تحريم كلّ ما فيه إضرار متبادل بين الأبوين بسبب الولد وكذا إضرار كلّ واحد منهما به، سواء كان في مسائل الرضاعة أو الحضانة أو غيرها من الشؤون المتعلّقة بالولد.


[1] ـ أي: زعم أنّ الفعل المذكور يجب أن يكون مبنيّاً للمجهول ولا يصحّ كونه مبنيّاً للمعلوم، إذ لو قرئ علی صيغة المعلوم لكان مفعوله: «المولود»، وفي هذه الحالة يكون من الفصيح أن تقرأ الراء المشدّدة بالكسرة بدلاً من الفتحة.
[2] ـ أي: عندما يكون من الممكن تبديل «يضارِرُ» إلى «يضارَّ»، فإنّ تبديل «يضارِرْ» إلى «يضارَّ» يكون أولی.
logo