« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/08/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 وجوب رزق الاُمّ المرضعة وکسوتها من باب النفقة/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / وجوب رزق الاُمّ المرضعة وکسوتها من باب النفقة

 

بناءً على ما تقدّم يمكن أن يقال: إنّ الآية 233 من سورة البقرة تهدف إلی بيان وجوب رزق الأُمّ المرضعة وكسوتها على أبي المرتضع مطلقاً من باب النفقة، سواءً أكانت الأُمّ مطلّقة أم في حبالة نكاحه، بل حتّی إن لم تكن هناك علاقة زوجيّة بين الأب والأُمّ ـ كأن تكون أُمّاً من وطء الشبهة أو كانت الأُمّ أمةً محلّلة للأب ـ فإنّ رزقها وكسوتها واجبان على الأب طيلة مدّة إرضاعها للمرتضع.

كما أنّه إذا تزوّجت المرأة برجل آخر بعد الطلاق ووضع الحمل الذي تنتهي به عدّتها وكانت في الوقت نفسه ترضع ولدها من الزوج السابق، فإنّ رزقها وكسوتها حال الإرضاع يبقيان واجبين على الزوج السابق من باب النفقة.

بل حتّی في حالة الزواج المؤقّت حيث لا تجب فيه النفقة، فإذا حملت الزوجة ووضعت، فإنّ رزقها وكسوتها حال إرضاع الطفل يكونان على الزوج.

وإذا وجب الرزق والكسوة على أبي المرتضع من باب آخر كالزوجيّة، فإنّ وجه ذكرهما في الآية الشريفة قد يكون الإشارة إلی أنّ الزوجة المرضعة للطفل أكثر حاجة إلى الرزق والكسوة من غيرها، ولذلك يمكن القول بأنّ وجوب الرزق والكسوة في المقدار المشترك بين الزوجيّة والإرضاع نابع من كلا السببين، وفي المقدار الزائد قائم على الإرضاع وحده.

وكذلك إذا وجبت النفقة على الزوج أو المالك من باب الزوجيّة أو الملكيّة وكانت المرأة ترضع ولدها من رجل آخر، يمكن الادّعاء بأنّ رزقها وكسوتها على عهدة الزوج أو المالك وأبي المرتضع معاً بالمقدار الذي تقتضيه الزوجيّة أو الملكيّة، وهما على عهدة أبي المرتضع وحده في المقدار الزائد عليه.

نعم، قلنا سابقاً بأنّه يمكن بحسب الآية السادسة من سورة الطلاق القول بأنّ وجوب الرزق والكسوة قد خصّص بالمرأة غير المطلّقة، إذ قال تعالی في تلك الآية: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكـُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ حيث جعل وضع الحمل غايةً لوجوب الإنفاق علی المرأة المطلّقة وبيّن أنّها تستحقّ الأُجرة للإرضاع بعد وضع الحمل، فتكون نتيجة الأخذ بفهوم الغاية وكذا نتيجة الأخذ بالإطلاق المقامي في صورة الإرضاع عدم وجوب النفقة على أبي المرتضع حين الإرضاع.

وقد ورد في حسنة الحلبي أيضاً عن أبي عبدالله(ع): «الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها وهي أحقّ بولدها إن ترضعْه بما تقبله امرأة أخرى...»[1] [2]

فإن قيل: إنّ المستفاد من مفهوم الآية والرواية وإطلاقهما المقامي، هو نفي وجوب نفقة المرأة المطلّقة بعد وضعها للحمل، وهذا لا ينافي وجوب رزقها وكسوتها على أبي المرتضع في زمان الإرضاع، إذ تقدّم أنّ النفقة أعمّ من الرزق والكسوة.

فالجواب: أنّه على الرغم من القبول بالدلالة المذكورة في الآية وحسنة الحلبي فإنّه لا وجه لهذا الإشكال، لأنّ نفي العامّ يستلزم انتفاء الخاصّ أيضاً.

وعليه فلا يبعد القول بعدم وجوب رزق وكسوة المرأة المتمتّع بها أيضاً إذا حملت ثمّ باشرت إرضاع طفلها بعد انقضاء مدّة النكاح والاكتفاء بإعطائها أُجرة الإرضاع استناداً إلى تنقيح المناط أو الأولويّة.

ثمّ إنّ المفسّرين اختلفوا في سبب ذكر ﴿الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ في الآية الشريفة بدلاً من «الوالد».

فقال الزمخشريّ: «إن قلت: لِمَ قيل: ﴿الْمَوْلُودِ له﴾ دون «الوالد».

قلت: ليعلم أنّ الوالدات إنّما ولدن لهم، لأنّ الأولاد للآباء، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأُمّهات... فكان عليهم أن يرزقوهنّ ويكسوهنّ إذا أرضعن ولدهم، كالأظآر.

ألا ترى أنّه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى، وهو قوله تعالى: ﴿وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً﴾[3] .»[4]

وقال الفخر الرازي: «﴿الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ هو الوالد، وإنّما عبّر عنه بهذا الاسم لوجوه:

الأوّل: قال صاحب الکشّاف...

الثاني: أنّ هذا تنبيه على أنّ الولد إنمّا يلتحق بالوالد لكونه مولوداً على فراشه على ما قال(ص): «الولد للفراش»، فكأنّه قال: إذا ولدت المرأة الولد للرجل وعلى فراشه، وجب عليه رعاية مصالحه، فهذا تنبيه على أنّ سبب النسب واللحاق مجرّد هذا القدر.

الثالث: أنّه قيل في تفسير قوله: ﴿یا بْنَ أُمَّ﴾[5] أنّ المراد منه أنّ الأُمّ مشفقة على الولد، فكان الغرض من ذكر الأُمّ تذكير الشفقة، فكذا هاهنا ذكر الوالد بلفظ المولود له تنبيهاً على أنّ هذا الولد إنّما ولد لأجل الأب، فكان نقصه عائداً إليه، ورعاية مصالحه لازمة له، كما قيل: كلمة لك وكلمة عليك.»[6]

ولكنّ العلامة الطباطبائي يقول: «الوالدات هنّ الأُمّهات، وإنّما عدل عن الأُمّهات إلى الوالدات لأنّ الأُمّ أعمّ من الوالدة، كما أنّ الأب أعمّ من الوالد والابن أعمّ من الولد، والحكم في الآية مشروع في خصوص مورد الوالدة والولد والمولود له.

وأمّا تبديل الوالد بالمولود له، ففيه إشارة إلى حكمة التشريع، فإنّ الوالد لمّا كان مولوداً للوالد ملحقاً به في معظم أحكام حياته لا في جميعها... كان عليه أن يقوم بمصالح حياته ولوازم تربيته، ومنها كسوة أُمّه التي ترضعه، ونفقتها، وكان على أُمّه أن لا تضارّ والده، لأنّ الولد مولود له.

ومن أعجب الكلام ما ذكر بعض المفسّرين أنّه إنّما قيل: ﴿الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ دون «الوالد» ليعلم أنّ الوالدات إنّما ولدن لهن، لأنّ الأولاد للآباء، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأُمّهات... وكأنّه ذهل عن صدر الآية وذيلها حيث يقول تعالى: ﴿أَوْلادَهُنَّ﴾ ويقول: ﴿بوَلَدِهَا﴾.

وقد اختلط على كثير من علماء الأدب أمر اللغة وأمر التشريع، حكم الاجتماع وأمر التكوين، فربما استشهدوا باللغة على حكم اجتماعي أو حقيقة تكوينيّة.

وجملة الأمر في الولد أنّ التكوين يلحقه بالوالدين معاً لاستناده في وجوده إليهما معاً، والاعتبار الاجتماعي فيه مختلف بين الأُمم، فبعض الأُمم يلحقه بالوالدة، وبعضهم بالوالد، والآية تقرّر قول هذا البعض وتشير إليه بقوله: «الْمَوْلُودِ لَهُ» كما تقدّم.»[7]

ونوكل تكملة البحث إلى الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo