« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الإشکال علی مدعی صاحب الجواهر -وظيفة الأب خلال فترة رضاع الطفل/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع /الإشکال علی مدعی صاحب الجواهر - وظيفة الأب خلال فترة رضاع الطفل

 

ذكرنا في الجلسة السابقة كلمات صاحب الجواهر بشأن حقّ الأُمّ في تعيين المرضعة واستحقاقها لأُجرة الإرضاع ولو لم تباشره بنفسها ومن دون وجود عقد إجارة.

إلا أنّه تقدّم أنّ هذه الدعوى لا يمكن الالتزام بها، إذ إنّ الأدلّة غير مطلقة بحيث يثبت بها حقّ الأُمّ في الاسترضاع، بل غاية ما يمكن فهمه منها هو حقّ الأُمّ في إرضاع الطفل بنفسها.

وعلاوة علی ذلك، إذا أرضعت الأُمّ طفلها من دون أن يطالب الأب بذلك، فلا يحقّ لها المطالبة بالأُجرة فضلاً عن أن تعطيه لمرضعة أُخرى ثمّ تطلب أُجرة الإرضاع. وما ورد في صحيحة عبدالله بن سنان ـ كما تقدّم ـ مخالف للقاعدة ولابدّ من الاقتصار فيه على مورده، وهو ما إذا توفّي والد المرتضع.

هذا مضافاً إلی أنّ ما ورد في الصحيحة المذكورة فهو متعلّق بإرضاع أمةٍ تملكها الأُمّ وتعود منافعها الماليّة إليها، ولا يمكن تسرية الحكم إلی المرضعة الحرّة التي تملك منافع نفسها إذا قامت بالإرضاع تبرّعاً، إذ لا وجه لمطالبة الأُمّ بأُجرة الإرضاع في هذه الحالة، لعدم وجود إطلاق في أيّ دليل يُثبت للأُمّ ملكيّة أُجرة الإرضاع في جميع الصور، بل إنّ استحقاق الأُمّ للأجرة وفقاً للأدلّة منحصر بحالة إرضاعها بنفسها.

وعليه فإنّ القول بأنّ المرضعة المتبرّعة تبرّعت من قبل الأُمّ وبالتالي تعود أُجرة إرضاعها إليها، لا يمكن الالتزام به إلا في صورة واحدة وهي أن تستحقّ الأُمّ الأُجرة ابتدائاً بعقد إجارة ثمّ تقوم المرضعة بالتبرّع عنها؛ أمّا أن يثبت استحقاق الأُمّ للأُجرة بمجرّد تبرّع المرضعة، فلا دليل عليه.

 

المسألة الثانية: ما هي وظيفة الأب خلال فترة رضاع الطفل؟

تقدّم بناءً على الآية 233 من سورة البقرة أنّه مادام الطفل يرتضع من أُمّه خلال السنتين، فإنّ رزقها وكسوتها ي كونان على الأب، ويتحدّد مقدارهما وفقاً للعرف وبحسب قدرة الأب الماليّة، إذ ورد في الآية الشريفة: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [1] .

غير أنّ العديد من المفسّرين والفقهاء اعتبروا وجوب الرزق والكسوة على الأب من باب أُجرة الإرضاع وهو ما تقدّم أنّه غير صحيح.

كما قيل: إنّ هذا يختصّ بالنساء المطلّقات، لأنّ المرأة ذات البعل تستحقّ النفقة من حيث الزوجيّة ولا وجه لإيجاب النفقة عليها من حيث الإرضاع.

قال الطبرسي في تفسيره للآية: «المراد رزق الأُمّ وکسوتها مادامت في الرضاعة اللازمة وذلك في المطلقة، عن الثوري والضحّاك وأكثر المفسّرين... ولم يرد به نفقة الزوجات لأنّه قابلها بالإرضاع ونفقة الزوجة لا تجب بسبب الإرضاع وإنّما تجب بسبب الزوجيّة.

وقال بعضهم: أراد به نفقة الزوجات.»[2]

ولكن ـ وكما تقدّم في بداية البحث عن الفخر الرازي ـ فلا يبعد وجوب النفقة على الزوج من جهتين: من حيث الزوجيّة ومن حيث إرضاع ولده من قبل أُمّه التي هي زوجته، وتكمن فائدة اعتبار النفقة من جهتين في أنّه إذا سقط الوجوب من جهة ـ كأن تنشز الزوجة وتسقط نفقتها الزوجيّة ـ يبقى الوجوب من الجهة الأُخرى.

وعليه وبالنظر إلى الأدلّة السابقة التي بيّنّا من خلالها أنّ هذه الآية الشريفة مطلقة ولا تختصّ بالمطلّقات، فلا يمكن رفع اليد عن الدعوى السابقة بناءً على الاستدلال المذكور في كلمات المفسّرين واعتبار وجوب الرزق والكسوة من باب وجوب الأُجرة في خصوص الزوجة المطلّقة.

فضلاً علی ذلك، فإنّ ورود قيد ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ في الآية الشريفة يعدّ قرينة على أنّ المقصود هو نفقة الأُمّ المرضعة لا أُجرتها، إذ ليس من الضروري أن ت كون الأُجرة متعارفة، بل تتبع الاتّفاق بين الطرفين.

وتؤيّد هذا المعنی الآية السادسة من سورة الطلاق حيث قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ والتي تدلّ علی استحقاق المطلّقة الحامل للنففة إلى حين وضع حملها، سواء كان الطلاق بائناً أم رجعيّاً، وذلك رغم أنّ المطلّقة الرجعيّة تستحقّ النفقة بسبب استمرار الزوجيّة إلى إتمام العدّة أو استمرار أحكامها، ما يعني أنّ المطلّقة الرجعيّة الحامل تستحقّ النفقة من جهتين إلى حين وضع حملها، من حيث الزوجيّة ومن حيث الحمل.

نعم، ينبغي التدقيق في أنّ المستفاد من الآية الشريفة هو وجوب خصوص الرزق والكسوة اللذين هما جزءان من النفقة، بينما تشمل النفقة أُموراً أُخری إضافيّة.

وسنتابع تكملة البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo