46/08/12
بسم الله الرحمن الرحیم
تفحص الأقوال في أُجرة الإرضاع/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / تفحص الأقوال في أُجرة الإرضاع
مرّ في الجلسة الماضية أنّه إذا مات أبو المرتضع، فإنّ أُجرة الإرضاع تدفع من مال المرتضع لأُمّه.
ولكن كما ذكرناه سابقاً إذا لم يكن للطفل مال ـ كأن يكون أبوه فقيراً ولم يترك شيئاً ـ وكانت الأُمّ موسرة، فإنّ نفقة الطفل تجب عليها في هذه الحالة، فلا يحقّ لها المطالبة بالأُجرة. وأمّا إذا كانت فقيرة فلا يجب عليها إرضاع الطفل بلا أُجرة، فإذا لم توجد مرضعة ترضعه مجّاناً ولم يكن للطفل غذاء آخر، فيجب على الأُمّ إرضاعه ولكن لها أن تجعل ذلك بعوض في ذمّة الطفل.
وممّا يستفاد من صحيحة ابن سنان أنّ الأُمّ لا يشترط أن ترضع الطفل بنفسها لتستحقّ الأُجرة، بل لها ذلك حتّی لو أرضعته أمَتُها.
وأمّا ما ذكرناه من أحقّيّة الأُمّ في إرضاع طفلها خلال السنتين، فهل يشمل ذلك ما إذا تعطي الولدَ إلى أمَتِها أو إلى مرضعة أُخرى للإرضاع أيضاً؟ بمعنى أنّه هل يمكن القول بأنّ أحقّيّة الأُمّ في إرضاع الطفل تعني أنّ لها إرضاع المرتضع بنفسها أو تفويضه إلی من تعيّنه ولا يكون للأب الاعتراض في كلتا الصورتين؟
ظاهر كلام المحقّق المتقدّم يفهم منه أنّ تعيين المرضعة من حقّ الأُمّ، فلها أن ترضع الطفل بنفسها أو تدفعه إلی مرضعة أُخرى.
لكن هذه الدعوى محلّ إشكال، لأنّ أقصی ما تدلّ عليه الأدلّة هو حقّ الأُمّ في إرضاع طفلها خلال السنتين، وأمّا كون تعيين المرضعة بيدها فلا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق أدلّة ولاية الأب أنّه هو الذي يعيّن المرضعة إذا لم تباشر الأُمّ الإرضاع.
نعم، حمل صاحب المسالك كلام المحقّق علی أنّ الأب إذا استأجر الأُمّ للإرضاع، فلها أن ترضع الطفل بنفسها أو تعطيه لمرضعة أُخری وقال: «إذا استأجرها للرضاعة، فإن صرّح بإرادة تحصيل رضاعه بنفسها وغيرها، فلا شبهة في جواز الأمرين واستحقاقها الأُجرة المسمّاة. وإن شرط إرضاعه بنفسها تعيّن ولا يجوز لها حينئذٍ إرضاعه بغيرها، فإن فعلت فلا أُجرة لها.
وإن أطلق ـ بأن استأجرها لإرضاعه ـ فهي مسألة الكتاب. والمشهور حينئذٍ جواز إرضاعها له بنفسها وغيرها، لأنّها حينئذٍ أجير مطلق ومن شأنه جواز تحصيل المنفعة بنفسه وغيره.
وقيل: لا يجوز، لاختلاف المراضع في الحكم والخواصّ، ودلالة العرف على مباشرتها.
حتّى قيل: إنّه يجب تعيين المرضعة في العقد لذلك، فلا أقلّ من تعيّنها عند الإطلاق.
والأقوى الرجوع إلى العرف، فإن لم يتّفق أو اضطرب، جاز أن ترضعه بنفسها وغيرها. ولا فرق في الغير بين خادمها وغيرها.
وحيث جاز استحقّت الأُجرة و إلا فلا.»[1]
فإذا كان مراد المحقّق موافقاً لما فهمه صاحب المسالك، فتوضيحه للمسألة مقبول، ولا فرق بين الاستيجار للإرضاع وبين الاستيجار لغيره من هذه الجهة.
غير أنّ صاحب الجواهر رفض تفسير المسالك من كلام المحقّق واعتبر ما فهمناه من كلامه هو المراد حيث قال: «لا خصوصيّة لهذه المسألة في المقام ولا يليق التنبيه عليها، وإنّما المراد ما ذكر من بيان استحقاق الأُمّ أُجرة الرضاع، سواء وقع معها عقد الإجارة أم لا، كما هو مقتضى إطلاق الأدلّة، وسواء أرضعتها بنفسها أو بغيرها، للصحيح المزبور، بل الظاهر عدم الفرق في الغير بين مملوكتها وغيرها، وسواء أرضعته عند الغير بأُجرة أو لا، و هو حكم يليق التنبيه عليه مستفاد من الكتاب والسنّة والفتاوى.
ولا يشكل بأنّه لا وجه لرجوعها بالأُجرة مع إرضاع الغير لها غير المملوكة والمستأجرة، إذ ذاك ليس إلا لكون من يتبرّع قد تبرّع لها وأدّى عنها ما يراد منها بتلبّسه بالقيام، فهو كالمتبرّع عمّن في ذمّته عمل للغير بالعمل بعنوان كونه للأجير وعنه.»[2]
ومراده من الصحيح المزبور هو صحيح عبدالله بن سنان.
وسيأتي نقد ما أفاده في الجلسة القادمة إن شاء الله.