46/08/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی تفسير الزمخشري في قوله تعالی: أَرْضَعْنَ لَکـُمْ/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / الإشکال علی تفسير الزمخشري في قوله تعالی: أَرْضَعْنَ لَکـُمْ
قلنا في الجلسة السابقة أنّه يستفاد من قوله تعالى: ﴿أَرْضَعْنَ لَکـُمْ﴾ في الآية الشريفة أنّ المراد منها يكون فيما إذا طالب الأب الأُمّ بالإرضاع من قبل نفسه، لا من باب ولايته على المرتضع.
قال الزمخشري في تفسير هذا المقطع من الآية«﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكـُمْ﴾ يعني: هؤلاء المطلّقات إن أرضعن لكم ولداً من غيرهنّ أو منهنّ بعد انقطاع عصمة الزوجية ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ﴾، حكمهنّ في ذلك حكم الأظآر.»[1] وهذا التفسير ظاهر في أنّه استفاد نظير ما استفدناه من «﴿لكـُمْ﴾، وإلا لم يكن وجه لقوله: ولداً منهنّ أو من غيرهنّ.
ولكن قد يشكل على الدعوى الآنفة فيقال: إنّ الذي ورد في تتمّة الآية الشريفة من قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ﴾ حيث قال الزمخشريّ في تفسيره: «قوله: ﴿لَهُ﴾ أي: للأب، أي: سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أُمّه.»[2] ينافي الدعوى المذكورة، إذ بناءً على هذا المعنى يعود الضمير في ﴿له﴾ إلى الأب، وعليه فينبغي الالتزام ـ كالمورد السابق ـ بأنّ الأُجرة تجب على الأب ابتداءً، لأنّ إرضاع المرضعة كان بطلب منه، مع أنّ الآية لم يرد فيها شيء من ذلك، کما أنّ هذا خلاف الارتكاز العرفي، إذ وإن أمكن القبول في الأُمّ أنّ الأب قد يطالبها بالإرضاع من قبل نفسه لكون رضاع الطفل من أُمّه أنفع له، غير أنّ هذا لا يصدق في المرضعة الأجنبيّة.
ولكنّ الذي ذكره الزمخشري في تفسر الآية مخالف لظاهرها ولم يقبل به سائر المفسّرين.
قال الطبرسي في تفسير الآية: «المعنى: فإن اختلفتم في الرضاع وفي الأجر، فسترضع له امرأة أُخرى أجنبيّة، أي: فليسترضع الوالد غير والدة الصبي.» [3]
وقال ابن عاشور: «إنّما يقال: أرضعتْ له إذا استؤجرت لذلك، كما يقال: استرضع أيضاً.»[4]
وعليه فإذا أرضعت امرأة طفلها بطلب من أبيه ولم تقصد المجّانيّة في الإرضاع، فإن كانت مطالبة الأب من أُمّ المرتضع من باب ولايته على الطفل، فالأُجرة تدفع من مال الطفل ابتداءً، وإذا لم يملك مالاً، فتجب الأُجرة على أبيه من باب وجوب نفقة الأقارب الفقراء.
وأمّا إذا طالب الأب الأُمّ بالإرضاع من قبل نفسه، فتجب الأُجرة على نفسه ابتداءً وليس على الطفل شيء.
ولا فرق في هذه المسألة بين أن تكون الأُمّ حين إرضاع الطفل في حبالة نكاح الأب أو کانت مطلّقة، لأنّ الذي ورد في الآية السادسة من سورة الطلاق وإن كان في المطلّقات إلا أنّه مطابق للقاعدة ويمكن تطبيقه على غير المطلّقات أيضاً، ولا يمكن الأخذ بإطلاقه بأن ندّعي أنّ أُجرة الإرضاع في المطلّقات على عهدة أبي المرتضع مطلقاً وفي غيرهنّ علی المرتضع نفسه کذلك.
وينبغي التدقيق في أنّ الذي ذكر في وجوب إعطاء أُجرة الإرضاع على الأب في الصورة الأُولى من باب وجوب نفقة الأقارب، لا ينافي ما تقدّم من عدم علاقة أُجرة الإرضاع بنفقة الأُمّ المرضعة الواجبة على الأب بناءً على أساس الآية 233 من سورة البقرة، لأنّ الذي تدلّ عليه الآية من وجوب نفقة الأُمّ المرضعة على الأب شيء، ووجوب نفقة المرتضع على الأب شيء آخر.
وأمّا إذا كان أبو المرتضع متوفّياً، فقد وردت أخبار في أُجرة إرضاعه:
منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله(ع): «في رجل مات وترك امرأة ومعها منه ولد فألقته على خادم لها فأرضعته ثمّ جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ؟ فقال: لها أجر مثلها وليس للوصيّ أن يُخرجه من حَجرها حتّى يُدرك ويدفع إليه ماله.»[5] [6]
ومنها: خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله(ع): «قضى أمير المؤمنين(ع) في رجل توفّي وترك صبيّاً فاستُرضع له فقال: أجر رضاع الصبيّ ممّا يرث من أبيه وأُمّه.»[7] [8]
وهذا يطابق القاعدة أيضاً.
نعم، إذا أرضعته الأُمّ من دون مطالبة وصيّ المرتضع أو القيمّ عليه، فإنّ مطالبة الأُجرة على الإرضاع خلاف القاعدة، ولکن تمسّكاً بإطلاق صحيحة ابن سنان بل بناءً على الظاهر المستفاد من أمر الإمام(ع) فيها بإعطاء أُجرة المثل للأُمّ، يمكن القول بأنّ للأُمّ المطالبة بالأُجرة في هذا الحال أيضاً.
وأمّا إذا أرضعته المرضعة الأجنبيّة من دون إذن الوصيّ أو الحاكم الشرعي، فلا يحقّ لها المطالبة بالأُجرة، إلا إذا تعرّضت حياة الطفل للخطر بدون إرضاعها حيث لها أن ترضعه حينئذٍ بقصد أن يكون فعلها مقابل عوض.
ونوكل تتمّة البحث إلى الجلسة القادمة.