46/08/05
بسم الله الرحمن الرحیم
من عليه أجرة إرضاع الأمّ/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / من عليه أجرة إرضاع الأمّ
تحدّثنا في الجلسة السابقة عن كلام الشيخ في «الخلاف» فيما إذا لم تطالب الأُمّ بأكثر من أُجرة المثل.
وقال في المبسوط: «إن رضيت بأُجرة مثلها وهو يجد متطوّعة أو بدون هذه الأُجرة، قال قوم: له ذلك، ومنهم من قال: ليس له ذلك، والأوّل أقوى عندي.
فمن قال: ليس له نقله، سلّم إليها ولها أُجرة المثل.
ومن قال: له نقله عنها إلى من يتطوّع بذلك على ما قلناه، نظرت؛ فإن صدّقته في أنّه يجد متطوّعة، نقله ولا كلام، وإن كذّبته، فالقول قوله، لأنّها تريد شغل ذمّته بإيجاب الأُجرة لها عليه، والأصل براءة الذمّة.»[1]
أقول: الحقّ ما ذهب إليه الشيخ في جواز أخذ الطفل عن أُمّه وإعطائه لمرضعة غيرها، ووجه ذلك إطلاق الأخبار المتقدّمة، وقلنا: إنّ مضمونها مطابق للقاعدة، على أنّ الآية السادسة من سورة الطلاق تدلّ أيضاً على هذا المدّعى في المطلّقة.
ولكن بناءً على ما استفدناه من الآية الشريفة فلا يصحّ ما ذكره بالنسبة إلى كيفيّة تعيين المدّعي والمنكر في صورة النزاع في وجود مرضعة أُخرى تطالب بأُجرة أقلّ، لأنّ مدلول الآية هو أنّ للأُمّ الحقّ في إرضاع الطفل، وفيما إذا شككنا في زوال حقّها بوجود مرضعة غيرها تطالب بأُجرة أقلّ، فالأصل بقاء حقّ الأُمّ، وعليه ففي صورة النزاع يقدّم قولها بيمينها.
هذا مضافاً إلی أنّه في فرض مطالبة الأُمّ بأُجرة المثل ودعوی الأب وجود مرضعة متبرّعة أو راضية بأقلّ منها، فقد يُدّعى أنّ وجود مثل هذه المرضعة مخالف لظاهر الحال، وبناءً على ما تقدّم من أنّ ظاهر الحال مقدّم على الأصل في تعيين المدّعي والمنكر، يمكن تقديم قول الأُمّ بذلك وإن لم نستفد من الآية الشريفة ثبوت حقّ للأُمّ في إرضاع الطفل.
الرابعة: على من تجب أُجرة إرضاع الأُمّ؟
لم يرد في الآية 233 من سورة البقرة ذکر لدفع الأُجرة ولا بيان لکونها على عهدة من.
غير أنّ الآية 6 من سورة الطلاق تصرّح بأنّ أُجرة إرضاع الأُمّ المطلّقة على عهدة الأب.
وقد قال الشهيد الثاني في وجه وجوب أُجرة الإرضاع على الأب وكونه مشروطاً بأن لا يملك الطفل مالاً بنفسه: «لأنّ الرضاع من جملة النفقة الواجبة للولد على الأب مقدّماً على الأُمّ مع فقر الولد كما سيأتي، ولقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ و«على» ظاهرة في الوجوب والاستحقاق، كقولك: «على فلان دين»، وهو كناية عن أُجرة الرضاع.
وأُطلق على الأب «المولود له» للتنبيه على أنّ الولد حقيقة للأب، ولهذا انتسب إليه دون أُمّه ووجبت عليه النفقة ابتداءً.
ولو كان للولد مال، لم يجب على الأب بذل الأُجرة، لأنّه غنيّ، فلا يجب عليه الإنفاق عليه.»[2]
ولكن قلنا: إنّ التعبير الوارد في الآية 233 من سورة البقرة يخصّ وجوب الإنفاق ولا علاقة له بأُجرة الإرضاع، وسيأتي بيان الوجه في التعبير عن الأب بـ «المولود له» إن شاء الله.
كما لم يرد في كلمات الشهيد الثاني جواب عمّا تقدّم وهو أنّ ظاهر الآية 6 من سورة الطلاق يجعل أُجرة إرضاع الأُمّ المطلّقة على عهدة الأب، ولا دليل على الادّعاء بأنّ ذلك من باب وجوب الإنفاق على الأب وأنّ الآية منصرفة إلى ما لم يكن للولد مال لتقييد أدلّة وجوب إنفاق الأب على ولده بعدم امتلاكه مالاً.
ولذلك قال الشيخ في النهاية: «إن طلبت الحرّة أجر الرضاع، كان لها ذلك على أب الولد، فإن كان أبوه قد مات، كان أجرها من مال الصبي.»[3] وکلامه مطلق.
نعم، بناءً على ما سبق منه من عدم جواز استيجار الأُمّ ذات البعل للإرضاع، فيمكن حمل إطلاق هذا الكلام على الزوجة المطلّقة، إلا أنّ إطلاقه باقٍ من حيث وجوب الأُجرة على الأب وکان المرتضع غنيّاً.
وأمّا ما ذكره من دفع أُجرة إرضاع الأُمّ من مال الولد في صورة وفاة الأب فهو مستفاد من الأخبار التي ستأتي تباعاً إن شاء الله.
کما أنّه في تفسير قوله تعالی: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكـُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ قال في التبيان: «أمر من الله تعالى بأنّ الأُمّ المطلّقة متى ولدت ورغبت في رضاع ولدها، كان على الأب أُجرة الرضاع أُجرة المثل.»[4]
غير أنّ صاحب الجواهر تبنّی رأی الشهيد الثاني في المسألة حيث قال: «لا وجه للتوقّف في عدم الوجوب عليه مع وجود المال للولد وإن اقتضى ذلك إطلاق الآيتين المنزّل على ذلك، بل عن بعضهم وجوب ذلك على الأب وإن كان عند الولد مال.»[5]
ونوكل تكملة التحقيق في المسألة إلى الجلسة القادمة إن شاء الله.