46/08/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی مدعی صاحب الجواهر/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / الإشکال علی مدعی صاحب الجواهر
طرحنا في الجلسة السابقة دعوى صاحب الجواهر بشأن عدم جواز مطالبة الأُمّ بالأُجرة على الإرضاع حال إعسار الأب.
ولكنّه مشكل، إذ لا علاقة بين وجوب الأُجرة ووجوب الإنفاق، ولذلك ورد في سورة البقرة وجوب الإنفاق على الأب مطلقاً حيث قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ولم يرتّب ذلك علی مطالبة الزوجة به، بل وإن قصدت الأُمّ إرضاع الطفل مجّاناً دون أخذ الأُجرة، فإنّ النفقة المذكورة لا تسقط عن ذمّة الأب، والحال أنّ من المعلوم أنّ وجوب أُجرة الأُمّ على الأب إنّما يكون فيما إذا تحقّق الإرضاع بطلب منه ولم تقصد فيه الأُمّ المجّانيّة.
ويؤيّد عدم ارتباط ما ورد في الآية الشريفة بالأُجرة أنّ الرزق والكسوة مقيّدان في الآية الشريفة بکونهما «بالمعروف» وهذا القيد يخصّ النفقة دون الأُجرة.
وفي سورة الطلاق بعد أن اعتبر وضع الحمل غاية لوجوب الإنفاق على الزوجة المطلّقة الحامل، قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكـُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ وهو دليل على الفرق بين وجوب الأُجرة ووجوب الإنفاق، ولذلك يرتّب وجوب أُجرة الأُمّ علی الأب في تتمّة الآية على التوافق بينهما عليها.
إذن، وجوب أُجرة الإرضاع على الأب ليس من باب وجوب النفقة عليه، وإعساره لا يسقط هذا الوجوب، وللأُمّ أن تطالب بالأُجرة على الإرضاع في صورة إعسار الأب أيضاً. وعليه لا مجال في المقام للأصل الذي ادّعاه صاحب الجواهر.
نعم، هذا الكلام إنّما يصحّ فيما إذا اعتبرنا وجوب الأُجرة متوجّهاً إلى الأب ابتداءاً، وإلا فإذا اعتبرنا دفع الأُجرة للإرضاع تكليفاً للمرتضع بحيث يتوجّه هذا التکليف إلى أبيه في حال إعسار المرتضع فقط، فيمكن القول حينئذٍ بأنّ تكليف الأب بدفع الأُجرة متوقّف على كونه موسراً، وإلا يبقى المرتضع مديناً لأُمّه، فإذا ملك مالاً فيما بعد وجب عليه أن يسدّد دينه، إلا إذا کان دينه حالاً وملك أبوه مالاً قبله، فعليه حينئذٍ أن يسدّد دين الأُمّ.
اللهمّ إلا إذا کانت الأُمّ غنيّة حين الإرضاع مع فقر المرتضع وأبيه حيث يجب عليها نفقة المرتضع حينئذٍ ولا يجوز لها مطالبته بالأُجرة علی الإرضاع.
وسوف يأتي تحقيق مسألة وجوب الأُجرة على الأب ابتداءاً أو عدم وجوبه إن شاء الله.
ثمّ إنّه إذا كانت الأُجرة التي تطالب بها الأُمّ بمقدار أُجرة مثل الإرضاع ووجدت في الوقت نفسه مرضعة ترضى بالإرضاع بأقلّ منه أو مجّاناً، فقد قال الشيخ فيه في الخلاف: «البائن إذا كان لها ولد يرضع ووجد الزوج من يرضعه تطوّعاً وقالت الأُمّ: أُريد أجرة المثل، كان له نقل الولد عنها؛ وبه قال أبو حنيفة وقوم من أصحاب الشافعي.
ومن أصحابه من قال: المسألة على قولين:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: ليس له نقله عنها ويلزمه أجرة المثل؛ وهو اختيار أبي حامد.
دليلنا: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعٰاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ﴾ وهذه إذا طلبت الأُجرة وغيرها تتطوّع، فقد تعاسرا.
واستدل أبو حامد بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكـُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ ، فأوجب لها الأُجرة إذا أرضعته ولم يفصّل؛ وهذا ليس بصحيح، لأنّ الآية تفيد لزوم الأُجرة إن أرضعت وذلك لا خلاف فيه، وإنّما الكلام في أنّه يجب دفع المولود إليها لترضع أم لا؟ وليس ذلك في الآية.»[1]
وله في المبسوط نظير هذا القول ممّا سنتعرّض لبيانه في الجلسة القادمة إن شاء الله.