46/07/24
بسم الله الرحمن الرحیم
حقّ الأُمّ في إرضاع طفلها لسنتين/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / حقّ الأُمّ في إرضاع طفلها لسنتين
ذكرنا في الجلسة السابقة أنّ الآية الشريفة تخبر عن حقّ الأُمّ في إرضاع طفلها لسنتين، ولا داعي لترك ظاهرها وحمل الخبر علی معنى الإنشاء.
ولكن إذا أخذنا الخبر في هذه الآية بمعنى الإنشاء، فلا وجه حينئذٍ لحمل الأمر على الاستحباب، لأنّ وجوب دفع الأُجرة مذكور في الآية السادسة من سورة الطلاق التي قلنا بأنّها تخصّ النساء المطلّقات ولا علاقة لها بغير المطلّقات، وما ورد في هذه الآية من وجوب دفع الرزق والكسوة على الأب، لا ينافي وجوب الإرضاع على الأُمّ، لأنّ وجوب الرزق والكسوة من باب النفقة وليس من باب الأُجرة.
كما أنّ جواز إعطاء الطفل لامرأة أُخرى للإرضاع حال إعسار الرجل وعدم قدرته على دفع أُجرة الأُمّ أيضاً يخصّ الزوجة المطلّقة.
وعليه فيمكن أن يقال: إنّ المستفاد من هذه الآية هو حقّ الأُمّ في إرضاع الطفل إلى سنتين، وأمّا وجوب إرضاع الأُمّ طفلها فهو لا يستفاد من هذه الآية.
وقد قال العلامة الطباطبائي: «وفي قوله تعالى: ﴿لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ دلالة على أنّ الحضانة والإرضاع حقّ للوالدة المطلّقة موكول إلى اختيارها، والبلوغ إلى آخر المدّة أيضاً من حقّها، فإن شاءت إرضاعه حولين كاملين فلها ذلك، وإن لم تشأ التكميل فلها ذلك.
وأمّا الزوج فليس له في ذلك حقّ إلا إذا وافقت عليه الزوجة بتراضٍ منهما كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً﴾.»[1]
غير أنّه اعتبر الآية مختصّة بالمطلّقات ممّا تقدّم إشكاله، كما أنّه قال بالملازمة بين الإرضاع والحضانة، ممّا سيأتي إشكاله في بحث الحضانة إن شاء الله.
واعتبر أنّ المراد من الموصول هي الأُمّ، ولذلك قال بأنّه لا حقّ للأب في الإرضاع، ولكنّ المراد من الموصول هو الأب کما مرّ، وعليه فللأب حقّ في إرادة إتمام الرضاع وعدمها، ولكن إذا أراده فإن إرضاع الطفل حقّ يخصّ الأُمّ وليس للأب أن يفصل الطفل عن أُمّه ويعطيه لمرضعة أُخرى.
نعم، بناءً على ما ورد في تتمّة الآية ـ حيث قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ ـ يتّضح أنّ الأب لا يمكنه أن يتّخذ قراراً بمفرده في رضاع الطفل أقلّ من عامين، بل يجب أن يتمّ ذلك بموافقة الطرفين.
وهناك بعض الأخبار المؤيّدة بأنّ الآية تبيّن حقّ الأُمّ في إرضاع الطفل إلى سنتين ولا دلالة فيها على وجوب الإرضاع على الأُمّ، منها: موثقة داود بن الحصين عن أبي عبدالله(ع)، قال: «﴿وَالْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ﴾ قال: مادام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة، فإذا فطم فالأب أحقّ به من الأُمّ...»[2] [3]
ووجه تأييد المدّعى بالرواية أنّه لما سُئل الإمام(ع) عن الآية، فإنّه(ع) أشار إلى حقّ الأُمّ وليس إلى تكليفها. بل ورد في ذيل الرواية ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ أنّ للأُمّ حقّ المطالبة بأُجرة الإرضاع ممّا يدلّ على عدم وجوب الإرضاع عليها.
ومنها: صحيحة الحلبي، قال: «قال أبو عبدالله(ع): ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين...»[4] [5]
ومنها: حسنة الحلبي: «...ليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين.»[6] [7]
فهاتان الروايتان تدلان على جواز أخذ الأُمّ الأجرة على الإرضاع ممّا يستلزم ـ كما تقدّم ـ عدم وجوب الإرضاع عليها.
ومنها: خبر سليمان بن داود المنقري، قال: «سئل أبو عبدالله(ع) عن الرضاع؟ فقال: لا تجبر الحرّة على رضاع الولد وتجبر أُمّ الولد.»[8] [9]
فمن الواضح دلالة هذه الرواية على عدم وجوب الإرضاع على الأُمّ الحرّة وإن كان سندها غير معتبر.
وبذلك يتضح أنّ الوجه في ذكر ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ في الآية الشريفة هو التأكيد على ثبوت حقّ للأُمّ في إرضاع الطفل إلى نهاية السنتين، وحينئذٍ فلا ينافي ذلك قوله تعالى: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾، لأنّ المقصود منه هو أنّ حقّ الأُمّ يستمرّ إلی نهاية السنتين فيما إذا اتّفق الزوجان على إرضاع الطفل حتّى ذلك الوقت، ولا داعي لاعتبار العبارة الثانية سبباً للتخفيف الحكم أو نسخ الوجوب حتّى يشکل فيه بأنّه من غير المتعارف أن يبيّن الوجوب واللزوم أوّلاً ثمّ يتنازل عنه مباشرة.
واتّضح بما تقدّم إشكال كلام الشيخ أيضاً ممّا سنبيّنه في الجلسة القادمة إن شاء الله.