« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 تفسير آية 233 من سورة البقرة/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / تفسير آية 233 من سورة البقرة

 

ثانياً: هل التعبير بـ ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ إخبار في مقام الإنشاء؟

قال الزمخشري: «﴿يُرْضِعْنَ﴾ مثل ي﴿َتَرَبَّصْنَ﴾ في أنّه خبر في معنى الأمر المؤكّد...

فإن قلت: كيف‌ اتّصل قوله‌ ﴿لِمَنْ أَرادَ﴾ بما قبله؟

قلت: هو بيان لمن توجّه إليه الحكم، كقوله تعالى: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾، ﴿لَكَ﴾ بيان للمهيت به، أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع.

وعن قتادة: حولين كاملين ثمّ أنزل الله اليسر والتخفيف فقال: ﴿لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾، أراد أنّه يجوز النقصان...

وقيل: اللام متعلّقة بـ ي﴿ُرْضِعْنَ﴾، كما تقول: أرضعت فلانة لفلان ولده، أي: يرضعن حولين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة من الآباء، لأنّ الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأُمّ، وعليه أن يتّخذ له ظئراً إلا إذا تطوّعت الأُمّ بإرضاعه، وهي مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه.»[1]

وقال فخرالدين الرازي: «أمّا قوله تعالى: ﴿يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾ ففيه مسألتان:

المسألة الأُولى: هذا الكلام وإن كان في اللفظ خبراً إلا أنّه في المعنى أمر وإنّما جاز ذلك لوجهين:

الأوّل: تقدير الآية ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ في حكم: الله الذي أوجبه، إلا أنّه حذف لدلالة الكلام عليه.

والثاني: أن يكون معنى ي﴿ُرْضِعْنَ﴾: «ليرضعن»، إلا أنّه حذف ذلك للتصرّف في الكلام مع زوال الإيهام.

المسألة الثانية: هذا الأمر ليس أمر إيجاب، ويدلّ عليه وجهان:

الأوّل: قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكـُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾[2] ولو وجب عليها الرضاع لما استحقّت الأُجرة.

والثاني: أنّه تعالى قال بعد ذلك: ﴿وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى﴾[3] وهذا نصّ صريح.

ومنهم من تمسك في نفي الوجوب عليها بقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾ والوالدة قد تكون مطلّقة، فلم يكن وجوب رزقها على الوالد إلا بسبب الإرضاع، فلو كان الإرضاع واجباً عليها لما وجب ذلك.

وفيه: البحث الذي قدّمناه.

إذا ثبت أنّ الإرضاع غير واجب على الأُمّ فهذا الأمر محمول على الندب من حيث إنّ تربية الطفل بلبن الأُمّ أصلح له من سائر الألبان، ومن حيث إنّ شفقة الأُمّ عليه أتمّ من شفقة غيرها.»[4]

 

وقال الشيخ في التبيان: «لو كان خبراً لكان كذباً، لوجود والدات يرضعن أولادهنّ أكثر من حولين، وأقلّ منهما.»[5]

أقول: إنّ المفتاح الأساسي في فهم هذه الآية الشريفة هو ما ذكره الزمخشري من احتمال أن يکون المراد من الموصول في قوله تعالی: ﴿مَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ هو الأب دون الأُمّ؛ إذ لو کان المراد منه الأُمّ، لما كان لإضافة اللام في بدايته وجه، إلا أن نقدّر فيه شيئاً ونقول: إنّ المراد أنّ هذا الحکم لمن أراد أن يتمّ الرضاعة، وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلی قرينة.

على أنّه لو كان المراد من الموصول هو الأُمّ، فلابدّ من حمل الإخبار في قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ على الإنشاء، وهو ما يستلزم وجوب الإرضاع على الأُمّ، وإلا لزم من ذلك الكذب كما أشار إليه الشيخ؛ مع أنّ حمل الإخبار في هذه العبارة على الإنشاء لا يتناسب مع المعنى المستفاد من الآية الشريفة، إذ إنّ المعنى سيصبح حينئذٍ أنّ الإرضاع لسنتين واجب على الأُمّ التي أرادت أن تُرضع لمدّة سنتين ممّا يقتضي تعليق الوجوب على المكلّف على إرادته في الإقدام على الفعل، وهو لا معنى له.

إن قلت: قوله تعالی: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ دلّ علی تعدّد المطلوب حيث يستفاد منه أوّلاً: أنّ الإرضاع واجب علی الأُمّ وثانياً: أنّ الإرضاع يجب أن يستمرّ لمدّة سنتين، وقوله تعالی: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ يعتبر قرينة علی أنّ استمرار الإرضاع لسنتين ليس واجباً وإن کان مطلوباً، وبالتالي لا ينتفي به وجوب أصل الإرضاع علی الأُمّ.

قلت: إنّ تعدّد المطلوب فيما إذا کان موضوع الحکم مقيّداً ـ کما إذا قال المولی للعبد: «خذ الکتاب وتعال إليّ» ـ يخالف ظاهر العبارة ويحتاج إلی قرينة، بخلاف ما إذا کان التركيب في الموضوع انضماميًا ـ مثل أن يقول للعبد: «اشتر رغيفين من الخبز» ـ وحمل الموصول علی الأُمّ في قوله تعالی: ﴿لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ حتّی يکون قرينة علی تعدّد المطلوب مصادرة، لأنّ ذلك بذاته خلاف الظاهر کما مرّ ويحتاج إلی قرينة.

کما أنّ التعبير بـ ﴿الرَّضاعَةَ﴾ يمکن أن يکون قرينة علی أنّ المراد من الموصول هو الأب، لأنّه قد تمّ التعبير بخصوص الفعل الصادر من الأُمّ بقوله تعالی: ﴿يُرْضِعْنَ﴾، فلو کانت متابعة الآية الشريفة مرتبطة بفعلها لکان الأنسب أن يقال: «لمن أراد أن يتمّ الإرضاع».

وبالتالي يمكن القول: إنّ معنى الآية هو أنّه إذا أراد الأب أن يرتضع ولده لمدّة سنتين كاملتين، فإنّ أُمّ الولد هي التي ترضعه خلال تلك المدّة.

وبعبارة أُخرى: فإنّ الآية الشريفة تعبّر عن حقّ للأُمّ يجب على الأب مراعاته وقد حدّدت غاية هذا الحقّ بسنتين، وليست بصدد بيان تكليف يقع على عاتق الأُمّ لإرضاع ولدها.

فقوله تعالی: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ باقٍ علی ظاهره وهو الإخبار ولا يجب رفع اليد عنه کما أنّه لا يستلزم الکذب أيضاً، لأنّه ليس بصدد بيان قضيّة خارجيّة وإنّما تعبّر عن حقّ للأُمّ لإرضاع ولدها لمدّة سنتين بنحو قضيّة حقيقيّة.


logo