46/07/20
بسم الله الرحمن الرحیم
وجوب الإرضاع على الأُمّ و عدمه/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / وجوب الإرضاع على الأُمّ و عدمه
2 ـ ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.[1]
هناك عدّة ملاحظات في تفسير هذه الآية الشريفة:
الأُولى: هذه الآية أيضاً في سياق آيات الطلاق، وبما أنّ الآيات السابقة عليها متعلّقة بحكم الطلاق فقد ادّعى جماعة أنّها تخصّ المطلّقة.
قال الفخر الرازي في هذا السياق: «اعلم أنّ في قوله تعالى: ﴿وَالْوالِداتُ﴾ ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنّ المراد منه ما أشعر ظاهر اللفظ وهو جميع الوالدات، سواء كنّ مزوّجات أو مطلّقات، والدليل عليه أنّ اللفظ عامّ وما قام دليل التخصيص، فوجب تركه على عمومه.
والقول الثاني: المراد منه الوالدات المطلّقات؛ قالوا: والذي يدلّ على أن المراد ذلك وجهان:
أحدها: أن الله تعالى ذكر هذه الآية عقيب آية الطلاق، فكانت هذه الآية تتمّة تلك الآيات ظاهراً، وسبب التعليق بين هذه الآية وبين ما قبلها أنّه إذا حصلت الفرقة حصل التباغض والتعادي، وذلك يحمل المرأة على إيذاء الولد من وجهين، أحدهما: أنّ إيذاء الولد يتضمّن إيذاء الزوج المطلّق، والثاني: أنّها ربما رغبت في التزوّج بزوج آخر، وذلك يقتضي إقدامها على إهمال أمر الطفل. فلمّا كان هذا الاحتمال قائماً لا جرم ندب الله الوالدات المطلّقات إلى رعاية جانب الأطفال والاهتمام بشأنهم، فقال: ﴿وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾، والمراد المطلّقات.
الحجّة الثانية لهم: ما ذكره السدي، قال: المراد بالوالدات المطلّقات، لأنّ الله تعالى قال بعد هذه الآية: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ﴾، ولو كانت الزوجيّة باقية لوجب على الزوج ذلك بسبب الزوجيّة لا لأجل الرضاع.
واعلم أنّه يمكن الجواب عن الحجّة الأُولى أنّ هذه الآية مشتملة على حكم مستقلّ بنفسه، فلم يجب تعلّقها بما قبلها.
وعن الحجّة الثانية: لا يبعد أن تستحقّ المرأة قدراً من المال لمكان الزوجيّة، وقدراً آخر لمكان الرضاع، فإنّه لا منافاة بين الأمرين.
القول الثالث: قال الواحدي في البسيط: الأولى أن يحمل على الزوجات في حال بقاء النكاح، لأنّ المطلّقة لا تستحقّ الكسوة وإنّما تستحق الأُجرة.
فإن قيل: إذا كانت الزوجيّة باقية فهي مستحقّة النفقة والكسوة بسبب النكاح، سواء أرضعت الولد أو لم ترضع، فما وجه تعليق هذا الاستحقاق بالإرضاع؟
قلنا: النفقة والكسوة يجبان في مقابلة التمكين، فإذا أشغلت بالحضانة والإرضاع، لم تتفرّغ لخدمة الزوج، فربما توهّم متوهّم أنّ نفقتها وكسوتها تسقط بالخلل الواقع في خدمة الزوج، فقطع الله ذلك الوهم بإيجاب الرزق والكسوة وإن اشتغلت المرأة بالإرضاع، هذا كلّه كلام الواحدي.»[2]
والحقّ أنّه لا وجه لاختصاص الآية الشريفة بالمطلّقة، وورود الآيات السابقة عليها في المطلّقة لا يكون قرينة على اختصاصها بها، كما أنّ ورود الآية التالية في النساء اللاتي مات أزواجهنّ لا يكون قرينة على حمل هذه الآية على خصوص هذه النساء.
والذي ورد في كلام الواحديّ ـ بحسب نقل الفخر الرازي ـ كلام دقيق، بمعنى أنّ وجوب رزق الأُمّ المرضعة لولدها وكسوتها على أبي الطفل ليس من باب الزوجيّة بينهما، وإنّما من باب علاقة الأُبوّة والبنوّة بين الرجل والطفل، وكذا علاقة الأُمومة والبنوّة بين المرأة والطفل، ولذلك لم يقل تعالى: «وعلی الأزواج رزقهنّ وکسوتهنّ»، وإنّما عبّر سبحانه عمّن يجب عليه الرزق والكسوة بـ «المولود له».
وعليه فيمكن أن يقال: إنّ وجوب رزق المرأة علی الرجل وكسوتها قد تكون له حيثيّتان:
1 ـ حيثيّة الزوجيّة التي بينهما،
2 ـ حيثيّة إرضاع المرأة التي هي أُمّ الطفل لولد ذلك الرجل،
وحيث يکون وجوب الرزق والكسوة من الحيثيّة الأُولى مشروطاً بتمكين المرأة الرجل من نفسها خلافاً للحيثيّة الثانية، فإن لم تمكّنه من نفسها ـ ولوعصياناً ـ ولكن أرضعت ولده، فيجب على الرجل أن يرزقها ويكسوها من الجهة الثانية.
ثمّ إنّه قد ورد في معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (ع): «سمعته يقول: الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتى تضع حملها وهي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أُخرى، يقول الله عزّ وجلّ: ﴿لا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَلٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ﴾ لا يضارّ بالصبي ولا يضارّ بأُمّه في رضاعه وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين، فإذا أراد الفصال قبل ذلك عن تراض منهما كان حسناً والفصال هو الفطام.»[3] [4] حيث قد يتصوّر بحسبها أنّ الآية مختصّة بالمطلّقة.
ولكنّ الجواب أنّ الذي ورد في الرواية من باب التطبيق وليس من باب اختصاص الآية بالمطلّقة.
ويؤيّده ما يلي من الأخبار:
1 ـ حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَلٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ فقال: كانت المراضع ممّا يدفع إحداهنّ الرجل إذا أراد الجماع تقول: لا أدعك، إنّي أخاف أن أحبَل فأقتل ولدي هذا الذي أُرضعه، وكان الرجل تدعوه المرأة فيقول: أخاف أن أُجامعك فأقتل ولدي، فيدعها ولا يجامعها، فنهى الله عزّ وجلّ عن ذلك أن يضارّ الرجل المرأة والمرأة الرجل...»[5] [6]
2 ـ خبر جميل بن درّاج، قال: «سألت أبا عبدالله(ع) عن قول الله: ﴿لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَلٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾، قال: الجماع.»[7] [8]
ومعلوم أنّه لا معنى للجماع بالنسبة إلى المطلّقة.