46/07/12
بسم الله الرحمن الرحیم
التفحص في تفصيل الشهيد الثاني – لحوق و عدم لحوق ولد الزنا/ شروط إلحاق الولد/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ شروط إلحاق الولد/ التفحص في تفصيل الشهيد الثاني – لحوق و عدم لحوق ولد الزنا
طرحنا في الجلسة السابقة دعوى صاحب الجواهر في توجيه دعوى الشهيد بخصوص تقدّم قول المرأة مطلقاً، وقلنا: إنّه يُسند ذلك إلى قاعدة لحوق الولد بالزوج بمجرّد وطء محترم ما لم يكن علم أو أمارة شرعيّة بخلافه، وذهب إلى وجود نسبة العموم والخصوص المطلق بين هذه القاعدة وقاعدة «الولد للفراش».
ولكن قاعدة لحوق الولد بالوطء المحترم ما لم يثبت خلافه ليست إلا قاعدة «الولد للفراش»، ولا وجه لأخصّيّة الثانية بالنسبة إليها.
اللهمّ إلا أن يقال: إنّ قاعدة الفراش إنّما تجري فيما إذا أُحرز أنّ وضع الحمل كان فيما بين ستّة أشهر وتسعة، والحال أنّ القاعدة الأُولى تجري في موارد الشكّ في ذلك أيضاً.
ولكن يجاب عنه أوّلاً: بأنّه تقدّم أنّ أمارة الفراش تجري مع الشكّ في طول مدّة الحمل وعدم إمكان جريانها إنّما هو فيما إذا عُلم بكونه أقلّ من ستّة أشهر أو أكثر من تسعة.
وثانياً: لو سلّمنا بعدم جريان أمارة الفراش في موارد الشكّ، فلا وجه للتمسّك بالقاعدة التي ادّعاها صاحب الجواهر، إذ لا يكون لها مستند حينئذٍ.
نعم، مرّ أنّه مع جريان أمارة الفراش في موارد الشكّ في طول مدّة الحمل ولكن إذا كان ذلك محلّ النزاع، فلا يمكن تقديم قول الزوجة تمسّكاً بالأمارة، لأنّ قول الزوج راجع إلى عدم كون المورد من موارد جريان أمارة الفراش، ولا يمكن تعيين حال المدّعي والمنكر بالتمسّك بالأمارة فيما إذا كان جريانها محلاً للنزا
وعليه فينبغي أن يقال أخيراً: الحقّ ما ذهب إليه الشهيد الثاني في أصل التفصيل، فإذا كان النزاع على أقلّ مدّة الحمل، قدّم قول الزوج، وفي موارد النزاع على أقصاه فالمقدّم قول الزوجة، وإن كان يرد على استدلالاته إشكالات بالتفصيل المتقدّم.
وعلى كلّ فلا وجه لدعوى المحقّق من عدم جريان قواعد الدعوى وجريان الملاعنة بين الزوجين، لأنّ الملاعنة إنّما تثبت فيما إذا ادّعى الزوج نفي الولد عنه ـ حيث لا يمكن لأيّ من الطرفين أن يقيم البيّنة على دعواه بخصوص ذلك ـ لا فيما إذا ادّعی انتفاء سبب لحوق الولد.
قال المحقّق الحلّي: «ولو طلّقها فاعتدّت ثمّ جاءت بولد ما بين الفراق إلى أقصى مدّة الحمل، لحق به إذا لم توطأ بعقد ولا شبهة.
ولو زنى بامرأة فأحبلها ثمّ تزوّج بها، لم يجز إلحاقه به؛ وكذا لو زنى بأمة فحملت ثمّ ابتاعها...
ولو طلّق امرأته فاعتدّت وتزوّجت أو باع أمته فوطئها المشتري ثمّ جاءت بولد لدون ستّة أشهر كاملاً، فهو للأوّل، وإن كان لستّة فصاعدا فهو للثاني.»[1]
هنا ترد ثلاث مسائل:
الأُولى: لحوق الولد بالزوج بعد الطلاق وانقضاء العدّة من دون وطء محترم آخر
قال فيها صاحب الجواهر: «لحق به الولد إذا لم توطأ بعقد ولا شبهة وإن وطئت زنا، بلا خلاف ولا إشكال، لأنّها فراشه ولم يلحقها فراش آخر يشاركه في الولد، بل بناء على ما ذكرنا يلحق به أيضا لو لم يعلم الحال، لقاعدة الفراش أيضا. نعم، لو كان بدون الأقلّ أو الأزيد من الأقصى، انتفى عنه قطعا.»[2]
والحقّ ما ذهب إليه.
الثانية: عدم لحوق الولد المتكوّن من الزنا ولو فيما إذا وُلد بعد نكاح الزاني بأُمّه
إذا زنا رجل بامرأة وعلم بتكوّن ولد من هذا الفعل ثمّ تزوّج منها ووُلد الطفل بعد النكاح، فليس له أن يلحق الولد بنفسه ـ بمعنى أن يرتّب عليه جميع أحكام ولد الحلال ـ والدليل عليه كما تقدّم أنّ أمارة الفراش جارية ما لم يُعلم خلافها، ولكن مع علم الرجل بتكوّن الولد من الزنا فلا وجه لجريانها.
على أنّ هناك رواية تصرّح بذلك وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن مهزيار، عن محمّد بن الحسن القمّي، قال: «كتب بعض أصحابنا على يدي إلى أبي جعفر(ع): جعلت فداك! ما تقول في رجل فجر بامرأة فحملت ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد وهو أشبه خلق الله به؟ فكتب(ع) بخطّه وخاتمه: الولد لغيّة لا يورث.»[3] [4]
هذه الرواية تعاني من مشكلة سنديّة حيث إنّ محمد بن الحسن القمّي مشترك بين محمّد بن الحسن القمّي ـ الذي مدحه الشيخ وذهب جماعة إلى أنّه محمّد بن الحسن بن بندار[5] ، فإذا كان هو الراوي اعتبرت الرواية حسنة أو صحيحة ـ وبين محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري المعروف بشنبولة وهو مجهول لم يرد فيه مدح أو ذمّ.
بل هناك قرائن تدلّ على تعيّنه في الفرد الثاني، وهي أنّ الرواية نفسها نقلها الكليني والصدوق بأسانيد مختلفة عنه، فروی الکليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن مهزيار، عن محمّد بن الحسن الأشعري، قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(ع) معي يسأله عن رجل فجر بامرأة ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد وهو أشبه خلق الله به؟ فكتب بخطّه وخاتمه: الولد لغيّة لا يورث.»[6]
وروی الصدوق بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري، قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(ع) معي يسأله عن رجل فجر بامرأة فحملت ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد والولد أشبه خلق الله به؟ فكتب(ع) بخطّه وخاتمه: الولد لغيّة لا يورث.»[7]
ويُعلم بناءً على هاتين الروايتين أنّ المراد من محمد بن الحسن القمّي هو ابن أبي خالد الأشعري المجهول.
غير أنّ محمّد باقر المجلسي قال بالنسبة إلى سند الرواية: «ضعيف على الأظهر، إذ الظاهر أنّ محمّد بن الحسن هو محمّد الحسن بن جمهور العمي الضعيف.»[8]
والمراد من محمّد بن جمهور العمي هو محمد بن الحسن بن جمهور، أبو عبدالله العمي الذي قال النجاشي فيه: «ضعيف في الحديث، فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها.»[9]
ولكن تبيّن بناءً على ما تقدّم أنّ المراد من محمّد بن الحسن القمّي لا يكون ابن جمهور، على أنّ ابن جمهور بصريّ[10] وليس قمّيّاً.
والذي يسهّل الخطب أنّه تقدّم أنّ عدم الإلحاق في الفرض المذكور مطابق للقاعدة وضعف الرواية لا يورد إشكالاً، غايته أن يؤخذ بالرواية مؤيّداً للقاعدة.