47/05/25
التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحصّل/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحصّل
1- التنبيه الرابع: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحصّل
كنّا نبحث في دوران الأقل والأكثر في المحصّل الشرعيّ مثل ما إذا شككنا في أنّ الطهارة عن الخبث هل تحصل بغسلة واحدة أو بغسلتين. ومثاله الثاني الذي يذكره أستاذنا الشهيد في نهاية هذا البحث ما إذا شككنا في دخل شيء في الوضوء لتحصيل الطهارة في وجوب كون موضع الغسل جافّاً ونبلّله بالوضوء أو لا يجب، فهذا مثال لدوران الأمر بين الأقل والأكثر في المحصّل الشرعيّ لتحصيل الطهارة عن الحدث.
وحاصل ما ذكره أستاذنا الشهيد في تحقيق الحال هو أنّ هناك فرقاً بين المحصّل الشرعيّ والمحصّل العرفيّ بأنّه إذا كان المحصّل عرفيّاً فهذا يعني أنّ الشارع تبارك وتعالى لم يتصدّ لبيان المحصّل بل جعله بعهدة المكلّف؛ لأنّ المحصّل عرفيّ وهذا ما يتكفّله المكلّف هو، مثل رصاصة أو رصاصتين في قتل الكافر.
وإذا كان شرعيّاً فهذا يعني أنّ الشارع هو الذي تصدّى لبيان هذا المحصّل ولم يجعله بعهدة المكلّف، وعندئذ قد يقع الشكّ في أنّ الشارع الذي هو تصدّى لبيان المحصّل هل ذكر غسلتين أو ذكر غسلة واحدة لتحصيل الطهارة عن الخبث؟ أو هل ذكر شرط جفاف العضو قبل الوضوء أو لا؟ فهذا يصير دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحصّل الشرعيّ.
وهنا رتّب على هذا الكلام أمراً مهمّاً جداً وهو أنّ التنجّز ينصبّ على أيّ شيء حتّى نعرف أنّ البراءة نجريها عمّا ينصبّ عليه التنجّز كقاعدة عامّة، وإلّا لولا التنجز فما فائدة البراءة؟ لأنّ البراءة تجري لترفع التنجّز فالبراءة تجري عن ماذا؟
ففي غير موارد الشكّ في المحصّل مثل الشكّ في جزئية السورة ينصبّ التنجّز على متعلّق البيان الشرعيّ ولا ينصبّ على نفس البيان الشرعي، فإذا شككنا أنّ الشارع هل بيّن السورة أو لا فهذا في غير المحصّل الشرعي ونجري البراءة عن متعلّق البيان الشرعيّ.
وهذا بخلاف موارد المحصّل الشرعيّ كالمحصّل للطهارة عن الخبث أو المحصّل للطهارة عن الحدث، فمصبّ التنجّز عندئذ نفس بيان الشارع؛ لأنّ الشارع تبارك وتعالى تصدّى للبيان الشرعي للمحصّل، فهذا البيان الشرعيّ هو الذي يتنجز علينا لولا البراءة، لا متعلّقه، فالبراءة إذاً تجري عمّا هو صالح للتنجّز، فنفس بيان الشارع ونفس البيان الشرعي له قيمة وأنّ المحصّل للطهارة عن الخبث أو المحصّل للطهارة عن الحدث هل هو مشتمل على كذا شرط أو كذا جزء أو لا، فنفس البيان الشرعي عيّن تكليفنا في ما يتنجز علينا، لا متعلّق البيان الشرعي.
ففي موارد المحصّل الشرعي في كلا المثالين الذي هو صالح للتنجّز هو نفس بيان الشارع لا متعلق بيان الشارع فالبراءة تجري أيضاً عن نفس بيان الشارع لا عن متعلّقه.
وهذا أمر مهمّ جدّاً. وهذا الرأي وإن كان غريباً وباقي العلماء لا يذكر هذا التفاوت في مصبّ التنجز الشرعيّ، وهذا من جملة التحقيقات لعلّه الخاصّة بأستاذنا الشهيد.
فيقول في موارد الشك في المحصّل: التنجّز لا ينصبّ على متعلّق بيان الشارع في أنّه يحتاج لتحصيل الطهارة إلى غسلة أو غسلتين، أو لتحصيل الطهارة يحتاج إلى جفاف اليد قبل الوضوء أو لا، وإنّما التنجز ينصبّ على نفس بيان الشارع، فإذا بيّن أنّه يحتاج إلى غسلتين فهذا الذي يتنجّز نفس بيان الشارع لا متعلّق بيانه.
وهكذا في المثال الآخر يقول: لو لا هذا التحقيق بهذا النحو الذي ذكرناه سيكون جريان البراءة أو عدم جريان البراءة منوطاً بأن يكون الطهارة هل هو نفس أفعال الوضوء أو يكون عنوان الطهارة عنواناً انتزاعياً ينتزع من أفعال الوضوء أو تكون أمراً مستقلاً؟
فإذا كان أحد الأمرين الأوّلين تجري البراءة، أمّا إذا كانت الطهارة أمراً مسبّباً عن أفعال الوضوء بحيث كانت أفعال الوضوء محصّلاً شرعيّاً فلا تجري البراءة عن بعض أفعال الوضوء. وهذه مشكلة سنتورّط فيها فيما إذا لم يتمّ ما ذكرناه في جريان البراءة في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر المحصّل الشرعيّ.
والحمد لله رب العالمين.