« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشبهات الموضوعيّة/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشبهات الموضوعيّة

أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه ألحق تنبيهات عديدة ببحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، والتنبيه الأوّل كان عنوانه دور الاستصحاب في بحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر. والتنبيه الثاني دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في شبهات التحريميّة.

والآن نأتي إلى التنبيه الثالث وعنوانه دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في شبهات الموضوعيّة بأنّه هل يمكن تصوير الأقلّ والأكثر في هذه الشبهات أم لا؟

1- التنبيه الثالث: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشبهات الموضوعيّة

وتصوير ذلك وإعطاء مثاله صعب بلحاظ أنّ مفروض البحث توفّر ثلاثة أمور:

النقطة الأولى: أنّ الشبهة الموضوعيّة يعني الشكّ في الأمر الخارجي.

والنقطة الثانية: أنّ مفروض البحث عدم الشكّ في الحكم الكلّيّة الإلهيّ، بل يكون الشكّ في الموضوع الخارجيّ فقط.

والنقطة الثالثة: أن يكون البحث في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين لا الاستقلاليّين؛ لأنّه إذا كان في الاستقلالييّن فالمقدار القطعيّ فيؤدّيه والمقدار المشكوك تجري عنه البراءة وبحثه واضح ومستقلّ.

وهذه النقاط الثلاث لو أخذناها بعين الاعتبار سيكون تحصيل المثال صعباً، ولعلّ منهم من يقول: لا يوجد مثال له، و بعضهم نسب ذلك إلى الشيخ الأنصاريّ، وآخر يقول هذا توهين لمقامه فليس معقولاً أنّ الشيخ الأنصاري مع مقامه الشامخ يقول به.

1.1- رأي المحقّق النائينيّ رحمه الله

وعلى كلّ حال صار البحث معقّداً والمحقّق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه ذكر مثالاً في ما إذا كانت الشبهة الموضوعيّة في متعلّق المتعلّق لا في المتعلّق المباشر، وسبق وأن قلنا بأنّ الشبهة قد تكون في المتعلّق المباشر للحكم وقد تكون في متعلّق المتعلّق، وكنّا نمثّل لمتعلّق المتعلّق بشرب الخمر حيث تعلّقت الحرمة بالشرب وتعلّق الشرب بالخمر.

فصوّره المحقّق النائينيّ في ما إذا كانت الشبهة في متعلّق المتعلّق، ومثّل بما إذا كان عندنا ثوبان، ثوبٌ مصنوع ممّا لا يؤكل لحمه ولا يصحّ فيه الصلاة قطعاً، والثوب الآخر مشكوك في أنّه هل يكون مصنوعاً ممّا يؤكل لحمه كالشاة أو مصنوعاً من أجزاء ما لا يؤكل لحمه كالهرّة مثلاً.

والقدر المتيقّن عدم صحّة الصلاة في الثوب الأوّل، وأمّا في الثاني فمشكوك، فيدور الأمر بين الأقلّ والأكثر، وسبب الشكّ موضوعٌ خارجيّ. فهل يجب ترك الصلاة في كليهما أو يجب في الأوّل فقط ويصحّ في الثاني، فإذا كان هذا الثوب الثاني ممّا لا يؤكل لحمه فلا تجوز فيهما، وإذا كان الثوب الثاني ممّا يؤكل لحمه فلا يجوز في الأوّل بخلاف الثاني.

فدار الأمر بين الأقلّ والأكثر، وهو في أمر خارجيّ والحكم الكلّيّ الإلهي معلوم وليس عدنا أيّ شكّ فيه، والشبهة في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، فكلّ النقاط الثلاثة التي ذكرناها متوفّرة.

1.2- رأي السيّد الشهيد الصدر رحمه الله

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول يمكن تحصيل المثال للمقام بلحاظ نفس التكليف (لا بلحاظ متعلّق متعلّقه) بالنسبة إلى حال نفس المكلّف؛ مثلاً إذا كان حكمه عبارة عن الصلاة مع السورة فيما إذا لم يكن مريضاً، وبدون الالتزام بالسورة فيما إذا كان مريضاً، وقد شكّ في أنّه مريض أو صحيح، وهذا دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر بلحاظ نفس التكليف. وهو طبعاً في ما إذا لم يجر الاستصحاب لتعيين الموضوع كاستصحاب مرضه أو استصحاب صحّته. وهذا المثال في المتعلّق المباشر لا في متعلّق المتعلّق.

وأصل البحث في أنّه هل تجري إذاً البراءة أو لا فحسب ما سبق رأينا في محلّه من أنّه هل تجري البراءة في الأقلّ والأكثر أو لا.

والحمد لله رب العالمين.

 

logo