47/05/09
التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات
1- التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات
1.1- إعادة الدرس الأخير:
كان الكلام في التنبيه الثاني من التنبيهات حول جريان دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشبهة التحريميّة؛ لأنّنا كنّا نبحث سابقاً عن الأقلّ والأكثر في الشبهة الوجوبيّة والآن في هذا التنبيه نقول بأنّ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر لا يختصّ بالشبهة الوجوبيّة بل يجري في الشبهة التحريميّة أيضاً.
ووقع الكلام في أنه أيّ من الشبهتين أولى بجريان البراءة؟
والمحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه قال بأنّ الشبهة التحريميّة أولى بجريانها فيها بينما أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول بأولويّة جريانها في الشبهة الوجوبيّة.
والوجه الذي تمسّك به المحقّق العراقي لبيان أنّ الشبهة التحريميّة أولى بالبراءة ذكرناه وأوردنا عليه بالإيراد المناسب.
والآن نأتي إلى كلام أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه حيث يقول بأنّ الشبهة الوجوبيّة هي الأولى بالبراءة، وذلك لأنّه في الشبهة التحريميّة يوجد تباين بين طرفي دوران الأمر، وهذا التباين يمنع عن الانحلال الحقيقيّ.
فهذه قاعدة عامّة بأنّه متى ما حصل التباين بين أمرين فهذا التباين يمنع عن الانحلال الحقيقيّ، وإنّما يعقل الانحلال الحكمي بأن نقول تجري البراءة في أحد الطرفين دون الآخر، فيصير انحلالاً حكميّاً.
فأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول هنا: يوجد في باب الشبهة التحريميّة تباين بين طرفي دوران الأمر، وهذا التباين يمنع عن الانحلال الحقيقيّ.
وأمّا الدليل على وجود التباين بينهما فلأنّ مرجع قولنا إنّه يدور الأمر بين أن يحرم تصوير الرأس أو يحرم تصوير تمام البدن إلى دوران الأمر بين متباينين؛ لأنّه لا بدّ علينا أن نترك إمّا تصوير الرأس أو تمام البدن وهذان متباينان؛ لأنّ ترك الرأس بالتعيين، وترك تصوير تمام البدن بالتخيير، فإذا أراد أن يختار هذا الجانب لا بدّ له أن يترك تصوير تمام البدن بأيّ جزء من الأجزاء بأن يترك رأسه أو يترك يده أو يترك رجله مثلاً، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير، وقد سبق وأن وضّحنا في بحث دوران الأمر بين التعيين والتخيير أنّ هذا دوران بين المتباينين؛ لأنّه دوران بين التعيين والتخيير، والتخيير ينتزع منه عنوان «أحدهما» و«أحدها»، والنسبة بين الشيء المعيّن وبين ما ينتزع منه عنوان أحدها نسبة تباين، وإذا كانت النسبة نسبة التباين فهو مانع عن الانحلال الحقيقيّ.
إذاً ففي باب الشبهة التحريميّة يوجد مانع عن الانحلال الحقيقيّ، وهذا المانع ليس موجوداً في الشبهة الوجوبيّة، فالشبهة الوجوبيّة هي التي أولى بالبراءة عن الشبهة التحريميّة بعكس ما قاله المحقّق العراقيّ.
فبالإمكان أن نقول بأنّه عندنا علم تفصيلي بشيء وشكٌّ بدويّ في الزائد عنه في الشبهة الوجوبية، بينما في الشبهة التحريميّة لا يمكننا أن نقول بأنّه عندنا علم تفصيلي بشيء وشكٌّ زائد في شيء.
ثمّ يقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه: نعم، في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشبهة التحريميّة يمكن أن نجري الانحلال الحكميّ بأن نجري البراءة في أحد الطرفين بنحو لا تعارضها البراءة في الطرف الآخر، فيصير انحلالاً حكميّاً، بأن نقول بأنّ البراءة تجري عن الأقلّ يعني تجري في هذا المثال عن حرمة تصوير الرأس، ولا تعارض هذه الحرمة بالبراءة عن حرمة تصوير تمام البدن.
أمّا جريان البراءة عن حرمة تصوير الرأس – لولا المعارضة – واضح.
أمّا حرمة تصوير تمام البدن فيقول أستاذ الشهيد: لا تصلح للبراءة؛ لأنّ البراءة هل هو لأجل تخلّصه من عقاب واحد أو من عقاب زائد؟
إن قيل بالأوّل فليس بصحيح؛ لأنّ العقاب الواحد قطعيّ في ما إذا صوّر تمام البدن – يعني أنّه خالف هذا الطرف من العلم الإجمالي – لاستلزامه للمخالفة القطعيّة بالمعلوم بالإجمال، فلا يمكن التخلّص من العقاب الواحد.
وإن قيل بأنّ المراد هو التخلص من عقاب زائد فلا يمكن أيضاً؛ لأنّ العقاب الزائد لا موجب له حتّى نجري عنه البراءة، فالبراءة إنّما تجري عن شيء محتمل وهذا ليس محتملاً أصلاً.
وقد قلنا في الدوران بين التعيين التخيير إنّه لا يوجد عقاب بعدد الخصال وهذا من الدوران بين التعيين – وهو حرمة تصوير الرأس – وبين التخيير – وهو أن يترك شيئاً من أجزاء البدن – وهذا ينتهي إلى الانحلال الحكميّ وليس الانحلال الحقيقيّ.
فالانحلال الحقيقيّ قلنا لا يمكن في الشبهة التحريميّة ولكنّ الانحلال الحكمي بأن تجري البراءة في أحد طرفي الدوران ولا تجري في الطرف الآخر فقد تمّ البراءة وتجري عن حرمة تصوير الرأس ولا تجري عن حرمة تصوير تمام البدن، وهذا انحلال حكمي وليس انحلالاً حقيقيّاً.
وبهذا المقدار يتمّ البحث في هذا التنبيه، وبعد ذلك يأتينا التنبيه الثالث من تنبيهات بحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.
والحمد لله رب العالمين.