47/05/04
التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية
محتويات
1- التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات1.1- بيان المحقّق العراقي رحمه الله في المقام
1.1.1- الجواب عن بيان المحقّق العراقي رحمه الله

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات
1- التنبيه الثاني: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات
1.1- بيان المحقّق العراقي رحمه الله في المقام
قلنا إنّ المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه ذكر في الشبهة التحريميّة في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر أنّ جريان البراءة هنا أولى من جريانها في الشبهة الوجوبية وذلك لأنّ أحد الوجوه التي ذكرت للمنع عن البراءة في الشبهة الوجوبيّة لا يجري في الشبهة التحريميّة، فتصبح أولى بالبراءة من الشبهة الوجوبيّة، والوجه الذي ذكر في الشبهة الوجوبيّة للمنع عن جريان البراءة عبارة عن الوجه الذي كان يتمسّك بقاعدة أنّ الاشتغال اليقينيّ يستدعي الفراغ اليقينيّ.
فيقول بأنّ ذمّتنا في الشبهة الوجوبية مشغولة بالأقلّ قطعاً واشتغال الذمة يستدعي فراغ الذمّة فلا بدّ أن يحتاط حتّى يفرغ ذمّته بصورة قطعيّة، وهذا الوجه للمنع عن البراءة في الشبهة الوجوبيّة لا يأتي في الشبهة التحريميّة، وذلك لأنّ الاشتغال اليقينيّ في الشبهة التحريميّة يتعلّق بالأكثر، يعني إذا دار الأمر بين حرمة تصوير الإنسان بكامله أو حرمة تصوير رأسه فالشيء الذي اشتغلت ذمّتنا به قطعاً هو الأكثر بعكس الشبهة الوجوبيّة.
فإذا أراد المكلّف أن يفرغ ذمّته عن الأكثر ليس بالضرورة أن يترك تصوير الرأس، بل يمكنه ترك تصوير أيّ جزء من أجزاء بدن الإنسان كاليدين مثلاً، فإذاً هذا الوجه لا يجري للمنع عن جريان البراءة، فجريان البراءة هنا أولى من جريان البراءة في الشبهات الوجوبيّة، هذا كلام المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه.
1.1.1- الجواب عن بيان المحقّق العراقي رحمه الله
وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول: إنّ في كلام المحقّق العراقيّ مغالطة؛ لأنّه خلط بين ما تيقّنّا بانشغال ذمتنا به وبين ما هو أصعب علينا عملاً، فإنّ ما قد اشتغلت ذمّتنا به قطعاً ليس هو الأكثر كما صوّره المحقّق العراقي، وإن كان هو الأكثر صعوبة علينا.
فيقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه: لا فرق بين الشبهة الوجوبيّة والشبهة التحريميّة من حيث اشتغال الذمّة. ففي الشبهة الوجوبيّة نتيقّن باشتغال الذمّة للأقل، غاية الأمر أنّه إمّا وجوب استقلاليّ أو وجوب ضمنيّ، وهذا الأقلّ لا بدّ من فراغ الذمّة عنه تطبيقاً لقاعدة الاشتغال، ونفس هذا الكلام يجري في الأقلّ أيضاً – وليس الأكثر – في الشبهة التحريميّة، والمحقّق العراقيّ طبّق ذلك على الأكثر فقال المشغول ذمّتنا به باليقين هو الأكثر في الشبهة التحريميّة، وهذا ليس بصحيح، وذلك لأنّ الأقلّ – وهو حرمة تصوير الرأس – متيقّن اشتغال الذمّة به، وذلك إمّا ضمناً أو استقلالاً كما كنّا نقول في الشبهة الوجوبيّة بأنّ الأقلّ متيقّن إمّا ضمناً أو استقلالاً.
وبالتالي يكون هناك يقين بحرمة تصوير الرأس، فانشغال الذمّة يقيناً أيضاً هنا بالأقلّ لا بالأكثر والمحقّق العراقيّ كان يطبّق ذلك على الأكثر وهو اشتباه.
فهنا إذا تمّ هذا الوجه للمنع عن البراءة في الشبهة الوجوبية – لو لا إجابتنا السابقة – كذلك يتمّ للمنع عن جريان البراءة في الشبهة التحريميّة، ويدور الأمر بين اشتغال الذمّة بالأقلّ بصورة ضمنيّة أو استقلاليّة كما كان كذلك أيضاً في الشبهة الوجوبيّة، فلا فرق من هذه الناحية بين الشبهة الوجوبيّة والشبهة التحريميّة.
نعم بالنسبة إلى صعوبة العمل نقول بأنّ هذا الأقلّ على فرض انشغال الذمّة به – وهو مسلّم – فعلى فرض كونه ضمنيّاً يكون تفريغ الذمّة عنه أسهل؛ لأنّه يمكنه أن يفرغ ذمّته عن هذا الأقلّ – وهو حرمة تصوير الرأس – بترك تصوير اليدين مثلاً، ولا ضرورة لترك تصوير الرأس، وعلى فرض كونه استقلاليّاً لا يمكن أن يفرغ ذمّته إلّا بأن يترك تصوير الرأس بالذات، فعلى أحد الفرضين يكون أصعب لا أنّه أولى بالبراءة.
فالسهولة والصعوبة اختلطت على المحقّق العراقيّ فاعتبرها يقينيّاً أو غير يقينيّ، وهذا هو الخلط الذي تورّط فيه المحقّق العراقي في هذه المسألة، فالأولويّة التي ذكرها لجريان البراءة هنا – لعدم جريان أحد الوجوه لجريانه – باطلة.
والحمد لله رب العالمين الله.