« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب

1- التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب

1.1- لزوم الاحتياط تمسّكاً بالاستصحاب

كان تقريب التمسك بالاستصحاب عند القائلين بالاحتياط هو أنّ هذا دوران الأمر بين الفرد القصير والفرد الطويل فيجري استصحاب الكليّ، فبعد أن يصلّي الإنسان بلا سورة إمّا أن ينتهي الوجوب أو أنّه لا زال باقياً، فكلّيّ الوجوب مردّد بين الأقلّ والأكثر، فإن كان الواجب بدون سورة فقد انتهى وإن كان مع السورة فلا زال باقياً، فهذا دوران الأمر بين الفرد القصير والفرد الطويل فنجري فيه الاستصحاب من القسم الثاني من استصحاب الكليّ.

والسيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه أورد عليه بإيراد بتعبيرين وبعد ذلك أورد مثالاً وقال بأنّ ما نحن فيه من قبيل هذا المثال وهو يختلف عن المثال الذي ذكرناه سابقاً ووافق فيه أستاذنا الشهيد على أنّه من موارد استصحاب الكليّ المردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل.

وهذا المثال هو ما إذا كان الشخص محدثاً بالحدث الأصغر ثمّ صدر منه حدث مردّد بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر، فلا يشكّ فقيه في أنّه ليس عليه إلّا الوضوء، ولا يجري استصحاب كليّ الحدث ليكون من القسم الثاني من أقسام الثلاثة لاستصحاب الكليّ.

1.1.1- جواب السيّد الشهيد الصدر عن تنظير السيّد الخوئي رحمهما الله

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه علّق على هذا المثال بأنّه ما كان ينبغي للسيّد الخوئيّ أن يمثّل به، وذلك لأنّه في هذا المثال توجد بالذات نكتة خاصّة توجب جواز الاكتفاء بالوضوء وعدم وصول النوبة الى استصحاب الكليّ، فيوجد فيه دليل خاصّ شرعيّ يدلّ على أنّ حكم هذا الحدث هو الوضوء وبإطلاقه يشمل حتّى حالة ما إذا دار الأمر بعد ذلك بين صدور حدث إمّا أكبر أو أصغر، وهي الآية الكريمة: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»[1] .

فهذه الآية تدلّ على أنّ حكم الذي هو محدث بالحدث الأصغر – لأنّ إذا قمتم إلى الصلاة كناية من النوم بعنوان كونه حدثاً أصغر وفسّر بهذا التفسير، ويعمّ أي حدث أصغر – هو الوضوء، وبإطلاقه يشمل حتّى حالة ما إذا تردّد أمره بعد ذلك بأن قد صدر منه حدث لا يعرف هل هو حدث أصغر أو هو أكبر.

فحكم المحدث بالحدث الأصغر الذي كان محدثاً أن يتوضّأ حتّى وإن حصل له بعد ذلك علم إجماليّ بأنّه صدر منه شيء ما، إمّا حدث أصغر جديد أو الحدث الأكبر، فما دام هو محدث بالحدث الأصغر من أوّل الأمر فحكمه هو الوضوء.

ولا يتبدّل هذا الحكم إلّا أن يحصل له اليقين بالحدث الأكبر، فإذا حصل له اليقين بالحدث الأكبر يتبدّل حكمه ولا يضاف إلى حكمه السابق حكم جديد، فيتبدّل إلى الغسل ويدخل في آية «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا»[2] .

وهذه النكتة نكتة وجود دليل على أنّ حكمه هو الوضوء لا أكثر، وهذه النكتة لا يوجد في ما نحن فيه من الموارد التي يكون مردّداً بين الفرد الطويل والفرد القصير.

وبهذا انتهى البحث مع من يريد التمسّك بالاستصحاب لإثبات الاحتياط.

1.2- عدم لزوم الاحتياط تمسّكاً بالاستصحاب

أمّا الفريق الثاني القائلين بعدم وجوب الاحتياط في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر تمسّكوا أيضاً بالاستصحاب، وتقريب استدلالهم بالاستصحاب هو استصحاب عدم وجوب الصلاة بوصفه التقييديّ، فنجري استصحاب عدم ذلك.

أمّا الحالة السابقة فهي حالة ما قبل دخول الوقت أو حالة ما قبل زمان بلوغ هذا المكلف سنّ التكليّف، فيستصحبون عدم وجوب التسعة بحدّه التقييديّ.

1.2.1- إيراد السيّد الخوئيّ رحمه الله على التمسّك بالاستصحاب لنفي لزوم الاحتياط

والسيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه أورد على هذا الكلام بأنّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم وجوب التسعة بحدّه الإطلاقي.

وجوب التسعة قد يكون محدوداً بحدّ تقييدي وقد يكون محدوداً بحدّه الإطلاقي، ولا نعلم أنّ حكم الله الواقعي أيّ منهما، فإذا أجريت استصحاب عدم ذك يجري في مقابله استصحاب عدم هذا ويتعارضان.

والحمد لله رب العالمين.


[1] المائدة: 6.
[2] المائدة: 6.
logo