47/04/22
التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية
محتويات
1- التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب1.1- لزوم الاحتياط تمسّكاً بالاستصحاب
1.1.1- ردّ السيّد الخوئي على لزوم الاحتياط بالاستصحاب
1.1.2- جواب السيّد الشهيد عن ردّ السيّد الخوئي رحمهما الله

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب
1- التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب
1.1- لزوم الاحتياط تمسّكاً بالاستصحاب
قلنا في التنبيه الأوّل من تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيّين: إنّ كلا الفريقين – القائلين بوجوب الاحتياط والقائلين بجريان البراءة – تمسّكوا بالاستصحاب لإثبات رأيهم، وبدأنا بذكر كلام القائلين بالاحتياط، وقلنا بأنّ القائلين بوجوب الاحتياط يتمسّكون باستصحاب الكلّيّ من القسم الثاني من الأقسام الثلاثة لاستصحاب الكليّ، أي استصحاب الكلّيّ المردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل.
وأنا كنت أمثّل بمثال بقاء كلي الإنسان في المسجد، إذا كان بقاء كلّيّ الإنسان في المسجد يترتّب عليه أثر شرعيّ مترتّب على كلّيّ الإنسان لا على الفرد.
ولكنّ السيّد الخوئيّ رضوان الله تعالى عليه اختار مثالاً آخر وقال بأنّه لا تتمّ فيه حكومة الأصل النافي على الفرد الطويل على وجوب الكلّيّ.
فالقائل بلزوم الاحتياط كان يقول بأنّه إذا صلّي الإنسان بلا سورة مثلاً فيشكّ في بقاء وجوب الصلاة عليه، فكليّ الوجوب المردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل يجري فيه الاستصحاب. فإذا كان الوجوب قد تعلّق بالصلاة بلا سورة فهذا هو الفرد القصير وانتهى وسقط، وإذا كان الوجوب قد تعلّق بالصلاة مع السورة فهذا هو الفرد الطويل ولا زال موجوداً، فيجرى استصحاب كلّيّ الوجوب الذي هو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّيّ.
1.1.1- ردّ السيّد الخوئي على لزوم الاحتياط بالاستصحاب
فالسيّد الخوئي عندما ردّ على هذا الكلام فردُّه كان عبارة عن أنّه لا بدّ من تساقط الأصل النافي في الفرد القصير والأصل النافي في الفرد الطويل حتّى لا يبقى شيء يحكم على [عدم] وجوب الكلّيّ فيبقى الوجوب الكلّيّ ثابتاً بهذا النحو. وفيما نحن فيه قد قلنا سابقاً بأنّه لم يكن هناك تعارض وتساقط بين الأصلين أساساً؛ لأنّه اخترنا القول بأنّ أحد طرفي العلم الإجمالي منحلّ بالانحلال الحقيقي، أي أحد طرفيه ثابت قطعاً وطرفه الآخر مشكوك بالشكّ البدويّ فتجري عنه البراءة.
وهنا قد مثّل السيّد الخوئي بمثالٍ لتساقط الأصل النافي للفرد الطويل مع الأصل النافي للفرد القصير فلا يبقى شيء حاكم على استصحاب بقاء الكليّ فيجري استصحاب بقاء الكلّيّ.
والمثال هو ما إذا كان الإنسان على طهارة ثمّ صدر منه حدث مردّد بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر ثمّ توضأ، فهذا الوضوء صالحٌ لنفي الحدث الأصغر فقط، فإن كان حدثه من الحدث الأصغر فقد زال بهذا الوضوء، وإن كان من الحدث الأكبر فلا يزول حدثه بهذا الوضوء. فالأمر يدور بين الفرد القصير (الحدث الأصغر) والفرد الطويل (الحدث الأكبر)، فيجري استصحاب كلّيّ الحدث [لأنّ الأصل النافي للحدث الأصغر تساقط بالتعارض مع الأصل النافي للحدث الأكبر ولم يبق أصل حاكم على استصحاب كلّيّ الحدث].
1.1.2- جواب السيّد الشهيد عن ردّ السيّد الخوئي رحمهما الله
وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول بأنّ هذا البيان لا يناسب حتّى مباني السيّد الخوئي نفسه، وذلك لأنّه سواء تساقطت الأصول النافية للفرد القصير والأصول النافية للفرد الطويل أو لا، فهذا في حدّ ذاته لا تتمّ حكومة الأصل الجاري في الفرد الطويل على استصحاب الكلّيّ، وذلك لأنّ هذا الكلّي ليس من الآثار الشرعيّة [للفرد الطويل] حتّى يمكن نفيه بهذا الأصل الجاري في الفرد الطويل. فإنّ الأصل النافي للفرد الطويل إنّما يكون حاكماً على الاستصحاب الكلّيّ فيما إذا كان الكلّيّ أثراً شرعيّاً له، فإنّ عدم ثبوت كلّيّ الحدث في المثال المذكور أثرٌ عقليّ مترتّب على عدم ثبوت الفرد الطويل؛ لأنّ بقاء الكلّيّ من الآثار العقليّة لا من الآثار الشرعيّة، فإذا بقي الفرد فقد بقي الكلّيّ وإذا انتفى كلا الفردين فقد انتفى الكلّيّ، وهذا أثر عقليّ، وفي باب الحكومة لكي تتمّ حكومة دليل على دليل آخر لابدّ أن يكون الدليل المحكوم معبّراً عن أثر شرعيّ لما يعبّر عنه الدليل الحاكم، حتّى يمكن نفيه بنفي الحكم الوارد في الدليل الحاكم حتّى على رأي السيد الخوئي.
إذاً فما قاله السيد الخوئيّ من أنّ الفردين يتعارضان ويتساقطان والأصل الجاري في الفرد القصير والأصل الجاري في الفرد الطويل يتعارضان ويتساقطان وتصل النوبة إلى استصحاب الكلّيّ ليس بمحلّه؛ لأنّ بقاء الكليّ هنا أثر عقليّ وليس أثراً شرعياً.
والحمد لله رب العالمين.