« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب

قلنا في نهاية بحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين أنّه يوجد تنبيهات على بعض الأمور الدخيلة في هذا البحث إجمالاً، وذلك بعد أن أكملنا أصل البحث بما فيه من أبواب ثلاثة: «الأقلّ والأكثر في الأجزاء» و«الأقلّ والأكثر في الشرائط» و«الأقلّ والأكثر بسبب التعيين والتخيير».

1- التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب

التنبيه الأوّل هو أنّ كلا الفريقين – أي الفريق القائل بوجوب الاحتياط في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين والفريق القائل بعدم وجوب الاحتياط – تمسّكوا بالاستصحاب لإثبات مدّعاهم.

1.1- لزوم الاحتياط تمسّكاً بالاستصحاب

أمّا الفريق الأوّل فتمسّكوا بالاستصحاب وهو بأنّ الأمر يدور بين الأقلّ والأكثر على نحو الكليّ المردّد بين الفرد الطويل والفرد القصير.

وهذا مبحوث في بحث استصحاب الكلّي، فأنّه بالنسبة إلى بقاء كلّيّ الإنسان في المسجد إذا كان يترتّب عليه حكم شرعيّ، إذا وقع الشكّ في أنّه هل أنّ كلّيّ الإنسان لا زال باقياً في المسجد أو لا؟ فهنا من موارد استصحاب بقاء الكلّيّ. واستصحاب بقاء الكلّيّ على ثلاثة أقسام، القسم الأوّل هو استصحاب بقاء الكلّيّ ضمن فردٍ معيّن، والقسم الثاني استصحاب الكلّي ضمن فرد مردّدٍ بين الطويل والقصير، والقسم الثالث استصحاب بقاء الكلّيّ ضمن فرد آخر.

مثال القسم الأوّل أنّه كان هناك فرد معيّن في المسجد ولا أدري أنّه هل زال وطلع أو لا زال باقياً؟ فيجري استصحاب الكلّي ضمن ذلك الفرد المعيّن.

ومثال القسم الثاني أنّه نعلم إجمالاً بأنّه إمّا زيد أو عمرو كان موجوداً في المسجد، وإذا كان زيد موجوداً فلا زال هو موجود – هذا هو الفرد الطويل – وإذا كان عمرو هو الذي كان موجوداً فهو قد خرج. فنجري استصحاب وجود كلّي الإنسان في المسجد، لأنّ الحكم الشرعي لم يترتّب على الأفراد، بل على بقاء كلّي الإنسان. فهذا يسمّى باستصحاب الكلّي ضمن الفرد المردّد بين القصير والطويل.

ومثال القسم الثالث هو ما إذا كان أحد الفردين قد خرج من المسجد ونحتمل أنّه في نفس اللحظة دخل فردٌ آخر في المسجد، فهذا يحتاج إلى استصحاب كلّي الإنسان ضمن فرد آخر، لا ضمن نفس الفرد الذي كان سابقاً، لأنّه أحتمل أن يكون في نفس اللحظة التي خرج منه ذلك الفرد قد دخل فرد آخر وهذا هو القسم الثالث.

هذا، ويقول الذي يدعي كون ما نحن فيه من موارد جريان الاستصحاب وبه نثبت وجوب الاحتياط في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين بأنّ ما نحن فيه من موارد استصحاب الكلّي من القسم الثاني، أي استصحاب الكلّي ضمن فرد مردّد بين القصير والطويل.

وذلك لأنّ أصل الوجوب مسلّم سواء كان مع السورة أو بلا سورة – ونطبّق الفكرة على الأجزاء ليكون أوضح – لكن هذا الوجوب مردّد بين أن يكون مطلقاً – أي بلا سورة – إذاً فهذا الوجوب وجوب قصير، وبين أن يكون مقيّداً – أي مع السورة – فلو صلّى بلا سورة لم يؤدّ واجبه، بل يبقى مستمرّاً إلى أن يأتي بصلاة مع السورة. إذاً فهذا الوجوب مردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل، فيدخل في بحث استصحاب الكلّي المردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل الذي يسمى بالقسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي، هذا أصل البيان في التمسّك بالاستصحاب لإثبات الاحتياط.

1.1.1- ردّ السيّد الخوئيّ رحمه الله

وللسيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه ردّ على هذا البيان، وعبّر فيه بتعبيرين – وإن كان وقع نوع من الخلط بين التعبيرين في بعض التقريرات.

التعبير الأوّل: هو أنّه في ما نحن فيه لا يجري فكرة التمسك باستصحاب الكلّي لإثبات بقاء الوجوب بعد أن يصلّي هذا الرجل صلاةً بلا سورة؛ لأنّه لا بدّ لجريان هذا الاستصحاب الكلّيّ لبقاء وجوب الصلاة من أن تتساقط الأصول المؤمّنة في كلا الفردين حتّى تصل النوبة إلى الاستصحاب الكلي.

فمثلاً في المثال الذي ذكرناه وهو استصحاب البقاء في المسجد وقع التعارض والتساقط بين كون الموجود في المسجد زيداً – الذي إن كان فهو طويل المدّة – وبين استصحاب عدم هذا في عمر – الذي لو كان فهو قصير المدة – فتصل النوبة إلى استصحاب كلّيّ الإنسان، ولكن فيما نحن فيه نحن نؤمن كما سبق بحثه بأنّ الأصول أساساً بلحاظ الصلاة مع السورة والصلاة بدون سورة لا يوجد تعارض وتساقط بينهما؛ لأنّنا آمنّا بجريان البراءة في أحدهما (أي الفرد الطويل) دون الآخر؛ لأنّه قلنا بأنّ هذا فيه مقدار من القطع ومقدار من شكّ البدويّ، فلا تصل النوبة إلى التساقط بل تجري البراءة عن السورة ولا تصل النوبة إلى استصحاب الكلّي، إذاً فهذا المورد ليس من موارد استصحاب الكلّيّ المردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل حتّى يقال بالاستصحاب من القسم الثاني من الاستصحاب الكلّيّ ونثبت وجوب الاحتياط. هذا هو التعبير الأوّل من السيّد الخوئي رحمه الله.

 

logo