« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 المقام الثاني: التخيير الشرعي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الثاني: التخيير الشرعي

1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير

1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي

1.1.1- المبنى الرابع في تفسير حقيقة التخيير الشرعي

كان الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي ولا بدّ من الكلام في ذلك من مباني تفسيرهما الشرعي، ذكرنا ثلاث مبان في تفسيرهما وأتينا إلى المبنى الرابع وبدأنا بالأمس به وهو المبنى الذي اختاره المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه. وهذا التفسير الذي اختاره المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه يشبه كثيراً المبنى الأوّل من هذه المباني التي ذكرناها، فيوجد قدر مشترك بينهما ويوجد فارق بينهما.

أمّا القدر المشترك الموجود بينهما فإنّه في كلا المبنيين يفترض وجوده عدّة وجوبات، فإذا كانت ثلاث بدائل كما في الخصال الثلاث بالكفارة، فالتخيير الشرعيّ فيما بينها معناه وجود ثلاث وجوبات: وجوب بلحاظ العتق ووجوب بلحاظ الصوم شهرين متتابعين ووجوب بلحاظ الإطعام ستّين مسكيناً، ولكن هذه الوجوبات مشروطة بأن لا يؤدّي الاثنين الآخرين، فإذا لم تؤدّ الاثنين الآخرين فهذا واجب عليك.

والفارق بينهما هو أنّه كنّا نقصد [في التفسير الأوّل] بالشروط في جانب الوجوبات الثلاثة على نحو شرط الوجوب، ولكنّ المحقّق العراقي جعل تلك الشروط في جانب الوجوبات على شكل شرط الواجب، أي شرط في متعلّق الوجوب لا في نفس الوجوبات الثلاثة، فالوجوبات الثلاثة عنده مطلقة، ولكن يجب العتق المشروط بعدم فعل الإطعام والصيام ويجب الإطعام المشروط بعدم الاثنين الآخرين ويجب الصيام المشروط بعدم الاثنين الآخرين، فأدخل الشروط الثلاثة في متعلّق الوجوب لا في نفس الوجوب.

ولكن هذه الصياغة تواجه إشكاليّة، وهي أنّه لا شكّ في أنّه في باب التخيير في مثل الخصال الثلاث في الكفّارة لا مانع من أن يفعل الاثنين أو الثلاثة كلّها، فإذا جعلنا الشرط في الوجوب فلا بأس به بأن يجب هذا لو لم تفعل الاثنين الآخرين وإنّما يجب ذلك لو لم تفعل الاثنين الآخرين، ولكن إذا جعلنا في الواجب وقلنا بأنّه يجب العتق المقارن لعدم الإطعام والصيام ويجب الإطعام المقارن لعدم العتق والصيام ويجب الصيام المقارن لعدم العتق والإطعام، فالإشكاليّة هي بأنّه على هذا لا يجوز له أن يأتي باثنين أو ثلاثة منها، في حين أنّ هذا ليس مراداً قطعاً بأن لا تؤدّي الاثنين الآخرين.

ونحلّ هذه الإشكاليّة بأن نقول بأنّ المراد وجوب مرتبة من مراتب وجود العتق، فيجب الإطعام بمرتبة خاصّة ويجب الإطعام بمرتبة خاصّة من الوجود. وما هي هذه المرتبة الخاصّة؟ وكيف نعيّن مرتبة خاصّة للعتق بحيث يكون العتق المقيّد أو المقارن بعدم الاثنين الآخرين لا يمنع؟ فإنّ الشيء إمّا في منطقة العدم أو في منطقة الوجود ولا يوجد مرتبة بين الوجود والعدم حتّى نقول بأنّ العتق واجب بمرتبة من مراتب وجوده.

ولهذا يجب أن نبدّل صيغة مراد المحقّق العراقيّ، فيقال إنّه يجب العتق المقارن بسدّ أبواب عدم الآخرين ويجب الإطعام المقارن بسدّ بابي الآخرين ويجب الثالث المقارن بسدّ بابي الآخرين.

وهذا يعني أنّه إذا كان العتق واجباً بالتعيين فهذا يصير مقارناً لسدّ أبواب عدمه كلّها وليس للآخرين فقط، بينما إذا كان تخييريّاً فهذا يصير العتق المقارن بسدّ الاثنين الآخرين [أي] لسدّ بعض أبواب العدم لا جميع أبواب العدم، فهذا هو الفرق بين الواجب التعيينيّ والواجب التخييريّ، فالواجب التعيينيّ هو الواجب المقارن بسدّ جميع أبواب عدمه، والواجب التخييريّ هو الواجب المقارن بسدّ بعض أبواب عدمه وهو سدّ أبواب البدلاء.

فإذا دار الأمر بين كون العتق واجباً تعيينيّاً أو واجباً تخييريّاً فهذا يصير علماً تفصيليّاً بشيء وشكّ بدويّ في أكثر من ذلك؛ لأنّه لا نعلم أنّ العتق يكون واجباً مشروطاً بالمقارنة بسدّ جميع أبواب البدائل أو مقروناً بسدّ بعض أبوابها، وهذا يعني أنّ المقدار المتيقّن المقطوع به هو أنّ العتق المقارن بسدّ جميع أبواب العدم واجب، وهذا المقدار مسلّم ومقطوع به، ولكن هل يجب العتق المقارن بسدّ بعض أبواب العدم أو لا، لا نعرف. فهذا يصير انحلالاً حقيقيّاً للعلم الإجماليّ.

 

logo