47/04/14
المقام الثاني: التخيير الشرعي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية
محتويات
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
1.1.1- المبنى الرابع في تفسير حقيقة التخيير الشرعي

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الثاني: التخيير الشرعي
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير
1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
قلنا إن هناك مبانٍ متعدّدة في تفسير التخيير الشرعيّ بقطع النظر عن دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فلا بدّ وأن نعرف معنى التخيير الشرعيّ حتّى نتكلّم في دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيّ.
ذكرنا ثلاثة مبان وتكلّمنا على كلّ مبنى في أنّه إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير هل تجري البراءة أو لا؟ هل أنّه علم إجماليّ بين المتباينين فلا تجري البراءة أو علم إجماليّ بين الأقلّ والأكثر الذي مرجعه إلى علم تفصيليّ بالأقل وشكّ بدويّ في الزائد فتجري البراءة عن الزائد؟
1.1.1- المبنى الرابع في تفسير حقيقة التخيير الشرعي
والآن نأتي إلى المبنى الرابع وهو يشبه المبنى الأوّل، فكنّا نقول إنّ التخيير الشرعيّ هو ما إذا كان عندنا عدّة خصال كان هناك عدّة وجوبات بعدد تلك الأعدال، ولكن كلّ من هذه الوجوبات مشروط بعدم الآخرين، يعني يجب العتق لولا أن تصم شهرين متتابعين أو تطعم ستّين مسكيناً، ويجب صوم شهرين متتابعين لولا أن تعتق أو تطعم ستّين مسكيناً، ويجب إطعام ستّين مسكيناً لو لم تعتق ولم تصم شهرين متتابعين.
وهذا المبنى الجديد (وهو مبنى المحقق العراقي رضوان الله تعالى عليه) مساوٍ تماماً لما مضى في المبنى الأوّل، إلّا أنّه يعطي تغييراً بسيطاً. فيقول: إنّ فرقه عن المبنى الأوّل هو أنّه في المبنى الأوّل كان يوجد عدّة وجوبات مشروطة، ونفس الوجوب فيها كان مشروطاً بعدم فعل الآخرين، ولكن هنا يقول بأنّ نفس الوجوب ليس مشروطاً بعدم فعل الآخرين وإنّما الواجب مشروط، لا الوجوب. يعني أنّه يجب الأوّل وجوباً مطلقاً وليس مشروطاً، وإنّما يجب العتق المشروط مثلاً – أي يجب العتق الذي بدون صوم شهرين متتابعين وبدون الإطعام –. لا نقول إنّ وجوب العتق مشروط بل نقول يجب العتق لكن أيّ عتق؟ العتق المشروط بعدم الإثنين الآخرين ويجب إطعام ستّين مسكيناً الذي يقترن بعدم الآخرين، وهكذا يجب صوم شهرين متتابعين. فوجوباتها مطلقة ولكنّ الواجب فيها يكون مشروطاً بعدم تحقّق الواجبين الآخرين.
وهنا يأتي السؤال أنّه هل الواجب له مراتب؟ كما أنّ الوجوب له مراتب؟ حتّى يقال بأنّ هذه وجوبات ثلاثة ولكن واجباتها مشروطة، فهنا (أي في تقرير بحث أستاذنا الشهيد رحمه الله) عبّر بـ«المراتب»، ويقول بأنّه هل الواجب (أي متعلق الوجوب) له مراتب؟ فالعتق واجب في مرتبة والإطعام واجب في مرتبة والصوم شهرين متتابعين واجب في مرتبة، هذه مراتب متعدّدة للواجب لا للوجوب، فيأتي الإشكال في أنّه كيف يكون للواجب مراتب في حين أنّ هذا الواجب إمّا يوجد أو لا يوجد، وذاك أيضاً إمّا يوجد أو لا يوجد، فالواجب إمّا يوجد أو لا يوجد لا أنّه يوجد مرتبة والثاني يوجد مرتبة والثالث يوجد مرتبة، فما معنى وجود كلّ من هذه الأمور الثلاثة في مرتبة؟ لأنّ الواجب أمر خارجيّ وهذا الأمر الخارجيّ إما يوجد أو لا يوجد، فـ«المرتبة» في الوجود ماذا معناه؟
ويجيب عن هذا السؤال بأنّه لأجل معرفة المراد بكون الواجب هذا في مرتبة، لا بدّ وأن نحوّل الكلام عن وجوب كلّ من هذه إلى وجوب سدّ باب عدم كلّ واحد من هذه الأمور.
فبدل ما نقول قد تعلّق الوجوب بالعتق في مرتبة وبالصوم في مرتبة وبالإطعام في مرتبة لا بدّ وأن نغيّر التعبير ونقول: يجب الصوم المقارن لسدّ أبواب الأمرين الآخرين، ويجب صوم شهرين المتتابعين المقارن لسدّ باب الأوّل والثالث، ويجب الأمر الثالث المقارن لسدّ عدم الأوّل والثاني، وبالنتيجة تعني الوجود ولكن هنا لا نعبّر بالوجود بل نعبر بسدّ أبواب العدم.
فبدلاً عن أن نقول يجب هذا المقارن لعدم وجود الإثنين الآخرين نقول يجب هذا المقارن لسدّ عدم الإثنين الآخرين، فهكذا نعبّر فيجب «الألف» المقارن لسدّ باب «الباء والجيم» ويجب «الباء» المقارن لسدّ باب عدم «الألف والجيم»، ويجب «الجيم» المقارن لسدّ باب عدم «الألف والباء».
هذا تفسير المحقّق العراقي للتخيير الشرعيّ قبل أن نلحظ دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فيقول كلّ تخيير شرعيّ يكون بهذا النحو، ويعبّر بتعبير «ارتكازاً»، وما أدري أنّ المحقق العراقي لم يصرّح بذلك وهذا تفسير لنا لارتكازه وأستاذنا الشهيد يحلّل الارتكاز الذهنيّ للمحقّق العراقيّ، أو أنّ المحقّق العراقيّ قال ارتكازاً، يعني ارتكاز العرف العامّ وارتكاز الناس، والمهمّ أنّه يعبّر ارتكازاً.
إذاً ففرق هذا المبنى عن المبنى الأوّل في تفسير وتحليل التخيير الشرعي أنّه في كلا التفسيرين تكون الوجوبات متعدّدة وفي كلاهما يوجد ضيق في جانب هذه الوجوبات المتعدّدة، لكنّ الضيق الذي يذكر في جانب الوجوبات المتعدّدة في المبنى الأوّل ضيقٌ في نفس الوجوب، والضيق الذي يذكر في جانب الوجوبات المتعدّدة في هذا المبنى ضيقٌ في متعلّق الوجوب، لكن كيف يمكن تصوير ذلك؟ تصوير ذلك بأن نعبّر عن الوجود بتعبير سدّ أبواب العدم.
هذا ما جاء في تقرير سماحة السيّد الحائري لبحث أستاذنا الشهيد، ثمّ يتكلّم عن أنّه على هذا المبنى إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيّ للعتق مثلاً فهل هذا العلم الإجماليّ يكون بين متباينين فلا تجري البراءة أو أنّه ينحلّ إلى علم تفصيليّ في شيء وشكّ بدويّ في شيء فنجري البراءة عن الشكّ البدويّ ونعمل بذلك العلم التفصيليّ بذلك الشيء المعلوم بالعلم التفصيليّ؟
فيقول بأنّه هنا ينحلّ العلم الإجمالي ويصبح هذا دوراناً للأمر بين الأقلّ والأكثر بالانحلال الحقيقيّ، كما كنّا نقول في المبنى الأوّل بأنّه ينحل انحلالاً حقيقيّاً؛ لأنّ من هذه الزاوية شأنه شأن المبنى الأوّل. وعلى فرض أن يكون الواجب تعيينيّاً فهذا التعيين فيه شيء زائد؛ لأنّ هذا التعيين لا يقترن بعدم الأمرين الآخرين أو بسدّ باب عدم الأمرين الآخرين، بل سواء سدّ باب عدم الأمرين الآخرين أو لم يسدّ يكون العتق واجباً. بينما إذا كان تخييريّاً فإذاً يكون الوجوب متعلّقاً بالعتق المقرون بسدّ باب الإثنين الآخرين، فننتهي الى الانحلال الحقيقي ويرجع الأمر إلى دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر لا بين المتباينين، وإذا كان كذلك فتجري البراءة عن الأكثر، ونعمل بالأقلّ ويكون الأقلّ معلوماً بالعلم التفصيليّ.
هذا ما ينتهي إليه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه بناء على مبنى المحقّق العراقي في تفسير حقيقة التخيير الشرعيّ.