47/04/12
المقام الثاني: التخيير الشرعي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية
محتويات
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
1.1.1- المبنى الثالث في تفسير حقيقة التخيير الشرعي
1.1.1.1- جريان الانحلال الحكمي في المقام

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الثاني: التخيير الشرعي
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير
1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
كان الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي، كما في الخصال الثلاث في باب الكفّارة إذا شككنا في أنّ الحكم معيّن بالعتق أو مخيّر بينه وبين العدلين الآخرين.
تكلّمنا في أنّه هل يحصل الانحلال الحقيقيّ لهذا العلم الإجماليّ بين التعيين والتخيير على مبان متعدّدة في تفسير التخيير الشرعيّ. انتهينا من المبنى الأوّل والثاني في تفسير التخيير الشرعيّ وكنّا نبحث في المبنى الثالث.
1.1.1- المبنى الثالث في تفسير حقيقة التخيير الشرعي
كان المبنى الثالث عبارة عن أنّه يكون التخيير الشرعيّ في موارده بمعنى «أحدهما» الذي هو عنوان انتزاعيّ جامع بين موارد المخيّر بينها، فالعلم الإجمالي يكون بين وجوب العتق بالذات (بناء على التعيين) وبين عنوان «أحدهما» أو «أحدها» بناء على التخيير الشرعيّ.
فهذا العلم الإجمالي الذي أحد أطرافه وجوب العتق بالتعيين والطرف الآخر وجوب إمّا العتق أو العدلين الآخرين بالتخيير الشرعيّ الذي هو بمعنى «أحدها» هل ينحلّ بالانحلال الحقيقيّ أو الحكمي أو لا ينحلّ؟
1.1.1.1- جريان الانحلال الحكمي في المقام
انتهينا عن البحث عن الانحلال الحقيقيّ، وأمّا الانحلال الحكمي، فقلنا بأنّ جريان الانحلال الحكمي أو عدم جريانه منوط بأنّ العلم الإجماليّ هل هو علّة تامّة لتنجيز الواقع – كما هو مبنى المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه حيث يقول بأنّ العلم الإجماليّ ينجّز الواقع المعلوم عند الله – أو هو ليس منجّزاً للواقع المعلوم عند الله [ونبتني على مباني أخرى في تفسير منجّزيّة العلم الإجماليّ].
أمّا على المبنى الأوّل فلا مجال للانحلال الحكميّ، بل يجب الاحتياط ولا تجري البراءة عن خصوص العتق، وذلك لما قلنا من أنّ العلم الإجماليّ إذا كان علّة تامّة لتنجيز الواقع فلا معنى للانحلال الحكميّ؛ لأنّ الانحلال الحكمي يعني أنّ أحد طرفي العلم الإجماليّ يتنجّز بمنجّز آخر ويصبح الطرف الآخر صالحاً للبراءة بدون معارض، وهنا ليس كذلك بناء على كون العلم الإجماليّ علّة تامّة لتنجيز الواقع، فلا يمكن القول بالانحلال الحكمي.
وأمّا على المباني القائلة بأنّ العلم الإجماليّ ينجّز الجامع بحدّه الجامعيّ، أو ينجّز الواقع بمقدار الجامع (وفي محله ذكرنا الفرق بين الأمرين) أو ينجّز الواقع برتبة الموافقة القطعيّة ولكن لا بنحو العلّيّة بل بنحو الاقتضاء بحيث لو جرت البراءة في أحد الطرفين دون الآخر لزال تنجيز العلم الإجماليّ، فعلى هذه المباني الثلاثة في مقابل القول بالعليّة التامّة لتنجيز الواقع، فنقول:
إنّه يتمّ القول بالانحلال في ما نحن فيه على هذه المباني الثلاثة بالانحلال الحكميّ، وذلك لأنّ الانحلال الحكمي معناه أن يكون أحد طرفي العلم الإجماليّ منجّزاً في حدّ ذاته في نفسه [بحيث لا يمكن جريان أصل البراءة فيه]، فتجري البراءة عن الطرف الآخر بلا معارض، وفي ما نحن فيه نقول: أحد طرفي العلم الإجماليّ هو وجوب العتق بالتعيين، والطرف الآخر وجوب عنوان أحدهما على نحو العنوان الانتزاعي، فإنّ الطرف الثاني (وهو وجوب عنوان أحدهما) له تنجيز في نفسه ولا تجري فيه البراءة؛ لأنّه لو خالف عنوان أحدهما لكان مساوياً لقطع بمخالفة الحكم الواقعيّ؛ لأنّه إذا ترك المكلّف عنوان «أحدهما» رأساً يعني أنّه لم يفعل هذا ولا ذاك، فهذا يساوي مخالفةً قطعيّة، وهذا القطع بالمخالفة هو الذي ينجّزه مهما كان حال الطرف الأوّل، فهذا الطرف الثاني بطبعه وبنفسه منجّز، فلا يجوز لنا أن نخالف أحدهما؛ لأنّنا لو خالفنا أحدهما لخالفنا الواجب بمخالفة قطعيّة، فإن كان كذلك فهذا هو الانحلال الحكميّ وتجري البراءة عن الطرف الأوّل وهو تعيين وجوب العتق بالتعيين.
غاية الأمر أنّه يقع الكلام في أنّ هذه البراءة التي تجري عن وجوب العتق هل هي براءة عقليّة أو براءة شرعية أو كلاهما؟
أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى في هذا البحث يفصّل بين البراءة العقلية – عند القائلين بها – والبراءة الشرعيّة، ويقول لا تجري البراءة العقليّة – حتّى على مبنى القائلين بها – ولكن تجري البراءة الشرعيّة، وهذا يكفي لحصول الانحلال الحكميّ بالبيان الذي شرحنا من أنّ عنوان أحدهما منجّز بطبعه في ذاته، فهذا يصير انحلالاً حكميّاً، وهذا الانحلال الحكميّ يستوجب جريان البراءة في وجوب العتق بالذات حتّى على مبنى أستاذنا الشهيد الذي يقول في محلّه إنّ البراءة العقلية لا تجري وإنّما تجري البراءة الشرعيّة، وتكفي هذا.