47/04/06
المقام الثاني: التخيير الشرعي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية
محتويات
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
1.1.1- المبنى الثالث في تفسير حقيقة التخيير الشرعي

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الثاني: التخيير الشرعي
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير
1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
1.1.1- المبنى الثالث في تفسير حقيقة التخيير الشرعي
قلنا إنّ السيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه خلط بين عنوان الحقيقيّ والعنوان الانتزاعيّ لـ«ـأحدهما» حيث إنّه رضوان الله تعالى عليه قال بأنّ التخيير الشرعي يرجع بروحه إلى التخيير العقليّ، فالتخيير الشرعيّ بين أحد الكفّارات مثلاً في باب الكفّارة مرجعه إلى عنوان «أحدها» وهذا العنوان كعنوان الجنس الذي يمكن تطبيقه تارةً على هذا النوع وتارةً على ذاك النوع، فإذا قال مثلاً أطعم الحيوان والحيوان شامل للإنسان وشامل للفرس فقابل للتطبيق على نوع الإنسان وقابل للتطبيق على نوع الفرس، كذلك فيما نحن فيه عندما يقول على فرض كونه تخييراً – لأنّه يدور الأمر بين التعين والتخيير – فقد تعلّق الأمر بالعمل بأحد هذه الأفعال الثلاث: إمّا إطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين أو العتق. فعندما يصدر الأمر بعنوان أحد هذه الأمور، هذا مثل صدور الأمر بإطعام الحيوان الذي هو قابل للانطباق على الإنسان وقابل للانطباق على الفرس. كذلك عنوان أحد هذه الخصال قابل للانطباق على العتق وقابل للانطباق على الصيام وقابل للانطباق على الإطعام.
هذا الكلام علّق عليه أستاذنا الشهيد كما ذكرنا في الدروس الماضية أنّ هذا خلط بين عنوان «أحدها» الحقيقيّ وبين عنوان «أحدها» الانتزاعيّ، وذلك لأنّ التخيير هنا بعنوان «أحدها» ولهذا العنوان يكون عنوان حقيقيّ وعنوان انتزاعيّ وهذا غير ذاك، لا أنّ التخيير يكون مثل الجنس وقابل للانطباق على هذا العنوان وذاك العنوان. هذا ليس مثل ذاك حتّى يكون إرجاعاً للتخيير الشرعي إلى التخيير العقليّ، فهذا البيان الذي به جعل السيّد الخوئي التخيير الشرعي مرجعه إلى التخيير العقليّ خلط بين معنيين من عنوان «أحدها».
بعد هذا يقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه: رغم أنّ عنوان «أحدها» الحقيقيّ وعنوان «أحدها» الانتزاعي متباينان مفهوماً، ولكن في مقام الامتثال يوجد بينهما عموم وخصوص مطلق، إذا امتثل هذا يحصل امتثال الثاني دون العكس، بمعنى أنّه لو امتثل عنوان «أحدها» الواقع أحدها حصل الامتثال أيضاً للواحد الانتزاعيّ دون العكس.
توضيح ذلك: يقول أستاذنا الشهيد أنه ينفتح علينا من هنا باب الكلام حول العلوم الإجماليّة التي تكون من هذا القبيل: أي يكون امتثال أحدهما غير منفكّ عن امتثال الآخر بخلاف العكس، رغم أن هاذين الطرفين متباينان مفهوماً كما قلنا في بحثنا: إنّ عنوان «أحدها» الحقيقيّ و عنوان «أحدها» الانتزاعيّ عنوانان متباينان، ولكن في مقام الامتثال عموم وخصوص مطلق، فينفتح علينا هذا الباب، أي باب العلوم الإجماليّة التي يكون امتثال أحدهما غير منفكّ عن امتثال الآخر بخلاف العكس، ويمكن أن تذكر لذلك عدّة أمثلة – وهذا غير العلم الإجماليّ بين التعيين والتخيير الذي نبحث عنه –.
المثال الأوّل: ما لو دار الأمر بين وجوب شيء ووجوب عنوان ينتزع منه ومن غيره، كما إذا دار الأمر بين القيام الذي يكون لأجل الاحترام فدار الأمر بين هذا النوع الخاصّ من الاحترام وهو القيام، وبين الاحترام بأنحاء أخرى بغير عمل القيام، مثل تقديم الطعام (فهذا أيضاً نوع من الاحترام)، لكن هذا النوع الثاني من الاحترام رغم أنّه مباين مع النوع الأوّل مفهوماً ولكنّه أوسع منه عملاً، يعني أنّ القيام الذي يكون بعنوان الاحترام ينتزع منه عنوان الاحترام، ولكن العنوان الثاني عنوان أوسع تطبيقاً من الأوّل، فكلّما حصل العنوان الأوّل حصل العنوان الثاني دون العكس، فإنّه قد يحصل عنوان الاحترام بعمل آخر غير القيام، فهذا ما إذا دار الأمر بين وجوب شيء ووجوب عنوان ينتزع منه وينتزع من غيره، كالقيام والتعظيم حسب تعبير الكتاب، فالقيام احترام والتعظيم أيضاً احترام، ولكن القيام يكون احتراماً والتعظيم يكون أوسع منه.
المثال الثاني: ما لو دار الأمر بين أحد عنوانين انتزاعيّين، فكلاهما انتزاعيّان – المثال الأوّل افترض أنّ العنوان الأوّل ليس انتزاعيّاً وإنّما العنوان الثاني انتزاعيّ – لكن أحدهما أخصّ من الآخر في مقام الانتزاع، ذاك في مقام انتزاعي أضيق وهذا في مقام انتزاعي أوسع، كما لو علم إجمالاً بوجوب إظهار القراءة أو وجوب إسماع القراءة، فإظهار القراءة عنوان ينتزع من الجهر والإسماع أيضاً عنوان انتزاعيّ، ولكن ينتزع من الجهر وكذلك من غير الجهر، بأن يكون الإخفات بنحو قابلٍ للسمع، فإذا كان كذلك فعنوان إظهار القراءة وعنوان إسماع القراءة كلاهما عنوانان انتزاعيّان، ولكنّ الأوّل أضيق والثاني أوسع.
والمثال الثالث: ما لو دار الأمر بين وجوب المعلول ووجوب أحد أجزاء علتّه، كما إذا دار الأمر بين وجوب نصب السلّم ووجوب الكون على السطح، إذا كان الكون على السطح معلولاً لعلّةٍ ذات أجزاءٍ وأحد أجزاء هذه العلّة نصب السلّم، والأجزاء الأخرى أن يصعد على درجات هذا السلّم حتّى يصل إلى السطح. فهنا أيضاً عنوان نصب السلّم أضيق وعنوان الكون على السطح معلول لهذا، وهذا المعلول هنا من حيث الحصول في الخارج قد يحصل وقد لا يحصل فقد ينصب السلّم ولكن لا يصعد إلى السطح فإذا دار الأمر بين نصب السلّم الذي هو جزء العلة وبين الصعود إلى السطح الذي هو المعلول في مثل هذا قد يحصل الأوّل ولا يحصل الثاني دون العكس.
والمثال الرابع: ما لو دار الأمر بين وجوب شيء يلازم شيئاً آخر دون العكس، وفرقه عن المثال السابق أنّه كانت الملازمة بالعلّية وهنا في المثال الرابع ليس بالعلّيّة، لكنّ العنوان الأوّل ملازم للثاني والعنوان الثاني لازم أوسع، بحيث أنّه كما يحصل عند تحقّق العنوان الأوّل يحصل عند تحقّق بديل عن العنوان الأوّل. كما لو علم إجمالاً بوجوب إكرام إمّا الخادم أو المخدوم، وفرضنا أنّه يحصل بإكرام الخادم إكرام المخدوم أيضاً دون العكس، بأنّه إذا احترمت خادم صاحب البيت فبالأولى هذا يحصل احترام لصاحب البيت ودون العكس فإذا احترمت المخدوم لا يحصل احترام للخادم، قد يحصل وقد لا يحصل.
هذه أمثلة أربعة وللكلام تكملة.