47/03/29
المقام الأوّل: التخيير العقلي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية
محتويات
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير1.1- أقسام التخيير
1.2- المقام الأوّل: التعيين والتخيير العقليّ
1.2.1- رأي المحقّق العراقي

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الأوّل: التخيير العقلي
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير
من جملة أنواع دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر هو ما يسمى بدوران الأمر بين التعيين والتخيير. وذلك بلحاظ أنّ التعيين فيه زيادة على التخيير؛ لأنّ التعيين يُلزم بالخصوصية الخاصّة للشيء، بينما التخيير يجعلك حرّاً: تختار هذا الشيء أو تختار شيئاً آخر. إذن ففي التعيين أمر إضافي.
فاعتبروا دوران الأمر بين التعيين والتخيير من جملة فروع وبحوث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر. فصار عندنا:
1. دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء.
2. دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط.
3. دوران الأمر بين التعيين والتخيير.
1.1- أقسام التخيير
والتخيير على قسمين: تخيير عقليّ وتخيير شرعيّ.
التخيير العقلي هو ما إذا تعلّق الوجوب بالجامع ولو الجامع العرفيّ بين أفراده. كما في موارد الإطلاق البدلي: «أكرم عالماً»، حيث يكون المكلّف مخيّراً في أيّ عالمٍ يختاره. هذا التخيير يحكم به العقل؛ لأنّ الحكم تعلّق بالجامع، والعقل يحكم حينئذ بأنّك مختار.
التخيير الشرعي هو ما إذا لم يوجد جامع عرفيّ بين الأفراد، فاضطرّ الشارع إلى أن يأمر بشيئين بالعطف بينهما بـ «أو»، مثل: «صلِّ ركعتين أو زر الإمام الحسين». هنا لا يوجد جامع عرفيّ بينهما، فالتخيير يكون شرعيّاً لا عقليّاً.
وعلى هذا الأساس نعقد البحث في مقامين:
المقام الأول: دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي.
المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي.
1.2- المقام الأوّل: التعيين والتخيير العقليّ
هنا يأتي نفس ما ذكرناه سابقاً من أنّ المتعلّق تارة يكون متعلّقاً مباشراً، وتارة يكون متعلّق المتعلّق.
مثال المتعلق المباشر: ما إذا دار الأمر بين وجوب الإكرام بالمعنى المطلق وبين وجوب الإكرام بوجه خاصّ (كالإطعام).
مثال متعلّق المتعلّق: ما إذا دار الأمر بين وجوب إطعام حيوان (بالمعنى الشامل للإنسان) وبين وجوب إطعام إنسان. فالوجوب يتعلّق بالإطعام، والإطعام يتعلّق بالحيوان، فالحيوان يصبح متعلّق المتعلّق. فهذا الحيوان تارةً يؤخذ في الحكم على نحو التعيين (كإنسانٍ معيّن)، وتارةً يكون على نحو التخيير.
وعليه نقول: سواء دار الأمر بين التعيين والتخيير في المتعلّق المباشر أو في متعلّق المتعلّق، على كلا التقديرين يرى أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه أنّ العلم الإجمالي ينحلّ، ولا نبتلي بعلم إجماليّ بين المتباينين؛ لأنّ التباين ينشأ من أخذ حدود الوجهين بعين الاعتبار، والحدود لا تدخل في العهدة، بل تحذف عن الحساب.
فإذا حُذفت الحدود لم يبقَ موجب للتباين، ولا يبقى إلّا الترديد بين الأقلّ والأكثر. وهذا صالح لجريان البراءة.
1.2.1- رأي المحقّق العراقي
المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه – بحسب ذوقه الخاصّ – لا يقول بجريان البراءة في الدوران بين التعيين والتخيير، بل يجعله كمسألة الهاشميّة، لا كالإيمان [التي مضى بحثها في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط].
فهو يرى أنّ التعيين والتخيير شبيه بقيد الهاشميّة: وجود القيد أو عدمه ليس باختيار المكلّف حتّى تجري البراءة. فإذا أراد أن يكرم هاشميّاً مثلاً، يلزمه تبديل الفرد واختيار شخص آخر، إذ لا يستطيع جعل نفس الشخص هاشميّاً. فهذا خارج عن قدرة المكلّف.
وعليه ينتهي المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه إلى أنّ البراءة لا تجري في هذا الباب.
ونكتفي اليوم بهذا المقدار.