« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط

 

1- دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط

قُلنا: إنَّ المَوانِعَ الرَّئيسيّةَ عن إجراءِ البَراءة الّتي مَضى ذِكرُها في دَورانِ الأمرِ بَينَ الأقَلِّ والأكثَرِ في الأجزاءِ، كانَت ثَلاثة. والآنَ لا بُدَّ وأن نَحسبَ حِسابَها في دَورانِ الأمرِ بَينَ الأقَلِّ والأكثَرِ في الشَّرائط.

1.1- الموانع الرئيسيّة عن جريان البراءة في المقام

هذهِ المَوانِعُ الرَّئيسيّةُ الثَّلاثُ عن جَريانِ البَراءةِ الّتي مَضى ذِكرُها في بابِ الأجزاءِ، كانَت عِبارَةً عن هذهِ الأُمورِ الثَّلاثة:

المَانعُ الرَّئيسيُّ الأوَّلُ الّذي طُرِحَ هُناكَ: وُجودُ العِلمِ الإجماليِّ المانعِ عن البَراءةِ بدَعوَى رُجوعِه إلى المُتبايِنَين. يُدَّعى رُجوعُ العِلمِ الإجماليِّ بَينَ الأقَلِّ والأكثَرِ إلى العِلمِ الإجماليِّ بَينَ مُتبايِنَين. وعِندئذٍ يُقالُ: إنَّهُ ما دامَ صارَ عِندَنا عِلمٌ إجماليٌّ بَينَ مُتبايِنَين، فلا تَجري البَراءةُ، لِأنَّهُ معَ العِلمِ الإجماليِّ بالمُتبايِنَين يَلزَمُ الاحتياطُ في كِلا الطَّرفَين.

المَانعُ الرَّئيسيُّ الثّاني: وُجودُ العِلمِ التَّفصيليِّ بالأقَلِّ إمّا استقلالاً أو ضِمناً. فمثلاً إذا شَككنا في أنَّ السُّورةَ جُزءٌ مِنَ الصَّلاةِ أو لا، فالتِّسعةُ أجزاءٍ مَعلومةٌ على كُلِّ حال. إمّا بالاستِقلالِ إذا لَم تَكُن السُّورةُ جُزءاً، أو بالضِّمنِ إذا كانَت السُّورةُ جُزءاً. فهذا العِلمُ التَّفصيليُّ بانشِغالِ الذِّمَّةِ بالأقَلِّ على كُلِّ حال، يَمنَعُ مِن جَريانِ البَراءة. لِأنَّ الاشتِغالَ اليَقينيَّ يَستدعِي الفَراغَ اليَقينيَّ، والفَراغُ لا يَحصُلُ إلّا بأداءِ الأكثَرِ. فمادامَ لابدَّ مِن أداءِ الأكثَرِ للتأكُّدِ مِن فَراغِ الذِّمَّةِ عَن الأقَلِّ، فلا تَجري البَراءةُ.

المَانعُ الرَّئيسيُّ الثّالث: إنَّ البَراءةَ إن جَرَت، فلا بُدَّ أن تَجري لا في الأفعالِ فحسْب، بل في الأغراضِ أيضاً. والغَرَضُ عِندَ الشَّكِّ فيهِ يَرجِعُ إلى الشَّكِّ في التَّحصيل، والشَّكُّ في التَّحصيل مَجرىً للاحتياطِ لا مَجرىً للبَراءة. لِأنَّ البَراءةَ إنَّما تَجري في الشَّكِّ في التَّكليفِ، لا في الشَّكِّ في التَّحصيل.

فهذهِ الأُمورُ الثَّلاثةُ كانَت تُطرَحُ لإثباتِ عَدمِ جَريانِ البَراءة. وهذهِ المحاوَلاتُ الثَّلاثُ بعَينِها عندَما نُريدُ أن نُطبِّقَها على الشَّرائط، نَجِدُ أنَّ بَعضَها أخفَى في بابِ الشَّرائطِ مِنها في بابِ الأجزاءِ، وبَعضَها بالعَكسِ: يكونُ تطبيقُها في بابِ الشَّرائطِ أقوَى وأوضَحَ مِن بابِ الأجزاءِ.

أمَّا المحاوَلةُ الّتي يكونُ تطبيقُها على الشَّرائطِ أخفَى مِن تَطبيقِها على الأجزاءِ، فهي المحاوَلةُ الثّانية: وُجودُ العِلمِ التَّفصيليِّ بالأقَلِّ استقلالاً أو ضِمناً. فهنا يُقالُ: إنَّ في بابِ الشَّرائط، الشَّرطَ الزّائِدَ المُحتَمَلَ إن وُجِدَ، فهو على وَجهِ التَّقييدِ والتَّخصيصِ، لا على وَجهِ كَونِه أمراً مُستقلّاً كجُزئيَّةِ السُّورةِ. فلذلكَ يكونُ خَفاؤُه أوضَح، واحتمالُه أضعَف، وبالتّالي تَطبيقُ هذا المَنعِ في بابِ الشَّرائطِ أخفَى مِن تَطبيقِه في بابِ الأجزاءِ.

وأمَّا المحاوَلةُ الّتي يكونُ تطبيقُها على بابِ الشَّرائطِ أقوَى وأوضَحَ مِن بابِ الأجزاءِ، فهي المحاوَلةُ الأُولى: أنَّ العِلمَ الإجماليَّ بين الأقَلِّ والأكثَرِ ليسَ في حَقيقَتِه علماً إجماليّاً بين الأقَلِّ والأكثَرِ، بَل يَرجِعُ إلى العِلمِ الإجماليِّ بين مُتبايِنَين. وهنا الغَفلَةُ الّتي تُسبِّبُ هذا التَّوهُّم أقوَى في بابِ الشَّرائطِ مِنها في بابِ الأجزاءِ، لِأنَّ القَيدَ أمرٌ مَعنويٌّ مُندَكٌّ في المُقيَّدِ، بينما الجُزءُ ليسَ مُندَكّاً في سائرِ الأجزاءِ. فالغَفلَةُ عن القُيودِ أكثَرُ حُصولاً مِن الغَفلَةِ عن الأجزاءِ. ولذلكَ كانَ تَطبيقُ هذهِ المحاوَلةِ في بابِ الشَّرائطِ أقوَى وأوضَحَ.

 

logo